أساور ندى زَينة مشغولة بالحبّ




لمن يرغب في تقديم مجوهرات كهدية قيّمة وشخصية خلال الأعياد، لا بد من أن يقصد صالة عرض «نون زين». عقود، وأساور، وخواتم، وزينة للبيت جميلة ومميزة. أما التفصيل الأهم، فإنها في متناول الجميع. درست ندى زَينة الهندسة المعمارية في «الجامعة الأميركية في بيروت» حيث صممت لاحقاً متحف الآثار، ثاني أكبر متحف في لبنان بعد المتحف الوطني، ومتحف الصابون في صيدا. أما رواد المسرح اللبناني الذين لم تسنح لهم الفرصة للتعرف على مجوهرات «نون زين»، فلا بد من أنّهم يذكرون سينوغرافيا مسرحية «طقوس الإشارات والتحولات» لنضال الأشقر، والمشربية الكبيرة التي توسطت المسرح. تلك السينوغرافيا وأعمال أخرى لأولى مسرحيات لينا أبيض، صممتها ندى زينة.

ذلك الحب للفن والعمل الحرفي قادها منذ 20 عاماً إلى التخلي عن مسيرتها المعمارية والانطلاق في تصميم المجوهرات وتنفيذها. البداية كانت مع حياكة النحاس مستعينة بطريقة «الكروشيه». تقنية مميزة ما زالت تستعملها حتى اليوم، فيما كان أولادها يدرسون بالقرب منها. ثم أدخلت في عملها الطين والفخار وتلبيسه أوراق الذهب. تطور المشروع ومعه شغفها لتصميم المجوهرات، إلى أن افتتحت صالة عرض عام ٢٠٠٤ في منطقة التباريس (شارع سرسق).
حين بدأت العمل في المجوهرات، كانت التصاميم المتوافرة في السوق تنحصر بمعادن الذهب والفضة. لذلك قررت أن تستعمل النحاس المغطس بالذهب مع الأحجار نصف الكريمة بسبب طواعية النحاس وخفته، وإمكانية صنع مجوهرات كبيرة الحجم من دون أن تصبح ثقيلة الوزن.


أضف إلى ذلك أنّ هذا يتيح لها تصميم أعمال بأسعار في متناول الجميع نسبة إلى الأسعار المطروحة في سوق المجوهرات. تتعاون ندى زَينة مع حرفيين لبنانيين لتنفيذ مجوهراتها في لبنان، مستعينة بالطريقة التقليدية لقطع وضرب النحاس يدوياً قبل تغطيسه في الذهب. ولبعض التصاميم الدقيقة، تلجأ إلى القطع باللايزر. في تصاميمها الكثير من الأشكال الهندسية البسيطة، وتستوحي أيضاً من المجوهرات التراثية والإثنية، من الثقافات البدوية والهندية والمصرية والشامية التي تعيد تصميمها بأسلوبها الخاص والمعاصر. هكذا تقدم زَينة كل عام تصميماً خاصاً للمتحف الوطني مستوحىً من المجوهرات الأثرية المعروضة في المتحف، لتباع في متجره، بالإضافة إلى التصاميم العديدة والمتنوعة المتوافرة في صالتها وفي صالة «الشرق ٤٩٩». تشكل الطبيعة مصدر إلهام لها، فالمجموعة الجديدة الخاصة بالأعياد التي أطلقتها أخيراً في صالة العرض مستوحاة من أغصان الأشجار، بالإضافة إلى مجموعة صغيرة تتخذ من العيون المضادة للحسد موضوعاً لها. إلى جانب تلك المجموعة الجديدة والقديمة، تتوافر في الصالة بعض الطاولات الصغيرة من تصميمها أيضاً، وزينة للبيوت مؤلفة من وجوه نحاسية تتدلى من رقبتها كميّة من العقود.

*تنتظركم ندى زَينة في صالتها منذ الليلة استثنائياً، حتى الساعة التاسعة مساءً خلال فترة ما قبل العيد.




هايغ آيفازيان: تاريخ يُصنع في برهة أو... أكثر



صعود الأمم وهبوطها والوقت الفاصل بينهما... تيمة تشغل الفنان اللبناني في معرضه «الهروب» المقام في «غاليري صفير زملر» في هامبورغ: تاريخ يمتدّ من بوش الأب حتى أوباما، مروراً بمايكل جوردن وزين الدين زيدان، وجغرافيا تبدأ من أميركا إلى العراق والخليج مروراً بالضواحي الفرنسية.

بدءاً ببوش الأب والابن حتى أوباما، مروراً بمايكل جوردن وزين الدين زيدان، وجغرافيا تمتد من أميركا حتى العراق والخليج مروراً بالضواحي الفرنسية... تاريخ يعيد رسمه هايغ آيفازيان في معرضه Fugere (الهروب) في «غاليري صفير زملر» في هامبورغ. ينقسم المعرض إلى ثلاث غرف حيث تتوزع الأعمال بين منحوتات ومونتاج صور ورسم وفيديو. في الغرفة الأولى، يتكون العمل الأبرز من أربعة تماثيل برونزية صغيرة، ومرآة، ورخام، وفيديو. وفيما يرتفع تمثال لمايكل جوردن في شيكاغو، تم إنزال تمثال لصدام حسين في بغداد. لم يبق من الأخير سوى القاعدة وأقدام الرجل. تمثال أعاد آيفازيان صنعه بحجم مصغّر، وإلى جانبه تمثال آخر يظهر قاعدة تمثال جوردن من دون الأخير. إلى جانبه تمثال ثالث يظهر فردتي حذاء رياضي Air Jordan. صنع الأول عام ١٩٩٢، والثاني عام ٢٠٠٨. في المقابل، هناك تمثال رابع يجسّد يدي الصحافي العراقي منتظر الزيدي وهو يرمي الحذاء الأول ثم الثاني. في الغرفة ذاتها، مرآة على الحائط كتب عليها نص للزيدي: «إنهم يعلمون إن خرجت الشمس سوف يذوبون كتماثيل من الشمع، فحفاظاً على صلابتهم رغبوا في تمديد وجودهم في الظلّ».
على رخام قبالتها، نص آخر بالإنكليزية كُتب عند أسفل تمثال جوردن في شيكاغو هو: «في تلك اللحظة علمت، بكل تأكيد ووضوح، أنني كنت أشهد الكمال. وقف قبالتنا معلّقاً فوق الأرض، حرّ من جميع القوانين مثل عمل فنّي، وعلمت، بذات التأكيد والوضوح، أن الحياة ليست عملاً فنياً، وأن تلك اللحظة لا يمكنها أن تدوم». نصّ مأخوذ من فيلم لروبرت ريدفورد. وفي الزاوية، شاشة صغيرة تعرض فيلماً من يوتيوب يظهر جنوداً أميركيين في العراق يحاولون كسب مودة الأطفال عبر إهدائهم طابات كرة قدم.

في عمله هذا، يبلور آيفازيان بحثه الطويل الذي بدأه عام ٢٠٠٩، لينتج تلك التماثيل الأربعة وما يحيط بها. عمل يتخطى جمع المعلومات وسردها إلى اقتراح حوار بين لحظات تاريخية تطرح أسئلة حول قصة صعود وهبوط الأمم التي يفلت فيها الوقت من القياس. يتساءل آيفازيان في عمله إن كان الوقت الذي فصل بين رمي الحذاء الأول والحذاء الثاني، يساوي الوقت الذي فصل بين صنع Air Jordan عام ١٩٩٢، والثاني عام ٢٠٠٨؟ في ١٩٩٢، انتهت حرب الخليج الأولى، ومعها ولاية جورج بوش الأب. كما استقبلت برشلونة أول دورة ألعاب أولمبية بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، وسمح للمرة الأولى بمشاركة لاعبين محترفين في لعبة كرة السلة. وقتها، ألفت أميركا «فريق الأحلام» مع مايكل جوردن وآخرين، مما أدى إلى فوز الفريق الأميركي بالميدالية الذهبية بفارق شاسع في المستوى نسبة إلى الفرق الأخرى المشاركة. سقوط الاتحاد السوفياتي، حرب الخليج الأولى، فوز «فريق الأحلام» الكاسح، تمثال لمايكل جوردن في شيكاغو، واتفاق سياسي مع صدام حسين في العراق. لكن كما يذكر النص على الرخام (علمت أن الحياة ليست عملاً فنياً، وأن تلك اللحظة لا يمكنها أن تدوم)، لم تفز أميركا بالميدالية الذهبية ثانية حتى عام ٢٠٠٨، مع فريق عرف بـ«فريق الترميم». ترميم شهد أيضاً تسليم بوش الرئاسة إلى أوباما. خلال تلك الفترة، تم اجتياح العراق، وهدم تمثال صدام حسين، ثم إعدامه. فترة شهدت تخبط أميركا في الشرق الأوسط، حتى عودة الميدالية الذهبية عام ٢٠٠٨ مع وصول أوباما إلى الرئاسة. في العام نفسه، ودّع الزيدي بوش بفردة حذائه الأولى «هذه قبلة الوداع من الشعب العراقي أيها الكلب»، وانتقم في الثانية «وهذه من الأرامل والأيتام والأشخاص الذين قتلتهم في العراق». الزمن الذي فصل بين رمي الفردة الأولى والثانية، نهضت فيه الأمة العربية ثم سقطت، لأنه كما قال الزيدي في النص على المرآة إنّ الزعماء العرب «رغبوا في تمديد وجودهم في الظلّ» في الفساد. مرآة ينعكس فيها تاريخ العرب في علاقتهم مع أميركا. وفي الزاوية على شاشة صغيرة، فيما كان الزعماء يتممون صفقات البترول، أرسل جنود أميركيون ليهدوا طابات لأطفال العراق.
في هذا العمل، تخطى آيفازيان فعل جمع المعلومات وتشبيكها إلى تحويلها أعمالاً فنية اتخذت أشكالاً مختلفة، تبقى شاهدة على تاريخ امتد منذ سقوط الاتحاد السوفياتي حتى اليوم. تاريخ تتوسع فيه أميركا وتثبت سيطرتها وتزرع تماثيل لمايكل جوردن في الساحات، لكنه تاريخ تتخلله ثغر زمنية تمتد من لحظة رمى فيها الزيدي الفردة الأولى حتى رميه الثانية. زمن قد يقاس بثوان أو بسنوات.
انطلاقاً من اهتمام آيفازيان بفضح العلاقة بين الرياضة والسلطة، رسم الإضاءة العملاقة التي تنصب في الملاعب الرياضية في أربع لوحات. الشركات الأمنية التي يوكل إليها حفظ أمن وإنارة الملاعب الرياضية، هي ذاتها التي توكل إليها السجون والمعتقلات. لذلك في اللوحات، لا نرى الحدث المضاء، بل تصبح الإضاءة هي المشهد بحد ذاته. معرض «صفير زملر» في هامبورغ، يصب في عمل متواصل انطلق عام ٢٠٠٩ تحت عنوان «الهروب (سلسلة من لحظات أوليمبية)». في بينالي الشارقة (٢٠٠٩)، قدم آيفازيان أول معرض من هذه السلسلة، ثم محاضرة أدائية بعنوان «ستّة دروس للرامي: مشروع كلينت ايستوود الـ12».

كم أنت عظيم يا ابن الصحراء

في الغرفة الثالثة من معرض «الهروب»، عرض هايغ آيفازيان الجزء الأول (٢٦ د.) من فيديو «كم أنت عظيم يا ابن الصحراء!» الذي ينوي تطويره مستقبلاً ليصبح فيلماً طويلاً. ينطلق هنا من حادثة نطح اللاعب الفرنسي زين الدين زيدان للاعب الإيطالي ماتيرازي ضمن نهائي «مونديال» ٢٠٠٦، قارئاً في فعل زيدان فعلاً يشبه تفجير السيارات أو إشعالها، مثلما فعل شباب الضواحي الفرنسية في ما عرف بأعمال شغب عام ٢٠٠٥. علماً أن زيدان أتى أيضاً من إحدى الضواحي الفرنسية، ولم تكن ردة فعله يومها إلا ثأراً لشرفه وكرامته إثر نعته بـ«ابن عاهرة إرهابية»، ومثلما ثأر الشباب الفرنسي لتعرضه للعنصرية ووصفه بالحثالة. كأنّ زيدان تحوّل في ذلك العفل من اللاعب الأغلى في فرنسا إلى رمز للرأسمالي التائب والثائر لكرامته ضد العنصرية. من زيدان، ينطلق هايغ آيفازيان إلى الحوادث التي عمت باريس والضواحي، ملقياً الضوء على تلك العلاقة الشائكة بين الشباب والشرطة، وأسئلة الهوية والعنصرية التي طرحتها تلك الأزمة في فرنسا.
Fugere لهايغ آيفازيان: حتى 5 كانون الثاني (يناير) ــ «غاليري صفير زملر»، هامبورغ، ألمانيا 






لميا أبي اللمع قنّاصة «أصحاب المقامات»


حين تزورون معرضها في «غاليري تانيت»، تفقدوا ما وضعه سمير جعجع على سريره وانظروا إلى يد عمر كرامي كم هي معبّرة، وإلامَ تنظر جيلبيرت زوين، وكيف جلس أمين الجميل، ومن يقف في ظل سليمان فرنجية، وماذا خلف جميل السيد، وميشال المر وتمام سلام ومروان حماده وبهية وسعد الحريري وميشال عون.
كيف يمكن لفنانة أن تختصر تاريخ إنسان في صورة واحدة؟ لميا ماريا أبي اللمع استطاعت ذلك في معرضها «أصحاب المقامات» في «غاليري تانيت». داخل المعرض رسمت خطين عريضين بالأحمر واستبدلت الأرزة بصور فوتوغرافية، بورتريهات لأصحاب «المقامات» من سياسيي لبنان ورجال الدين. اختارت الفنانة الشكل المربع لصور تتوسط كل واحدة منها شخصية شاهدناها مراراً على الشاشات، أو في الحملات الانتخابية. لكن هنا صورة جديدة لشخصية نألفها. صورة جمّدت فيها الفنانة لحظة واحدة من تاريخ شخصياتها، ليتجلى في الصورة التاريخ الكامل لكلٍّ منها. مدهشٌ العري الذي استطاعت التقاطه، ومدهش أكثر أنها بالكاد تعرّف عن شخصيات صورها. لا مجال للتوقف عند تحليل الصور هنا، لكن حين تزورون المعرض، تفقدوا ما وضعه سمير جعجع على سريره وبمَ استبدل جدران غرفة نومه. انظروا إلى يد عمر كرامي كم هي معبّرة، وإلامَ تنظر جيلبيرت زوين، وكيف جلس أمين الجميل، ومن يقف في ظل سليمان فرنجية، وماذا خلف جميل السيد، وميشال المر وتمام سلام ومروان حماده وبهية وسعد الحريري وميشال عون.

النظرة، تموضع الجسد، حركة اليد، الأثاث، وأصغر التفاصيل في كل صورة تقول الكثير عن كلّ مَن أسلم ذاته لعدسة كاميرا ربما لم يعلم حينها أنها تستطيع أن تقرأ علاقته بذاته وبالسلطة وبمحيطه كما تقرأ كتاباً مفتوحاً. أما عن رجال الدين ورئيس الجمهورية، فالصورة أبلغ من الكلمة الخاضعة للرقابة. كم هي جميلة وحقيقية الصورة الفوتوغرافية التي عرفت أن تقدم تحية للرئيسين سليم الحص وحسين الحسيني.


سيرة
ولدت لميا ماريا أبي اللمع في الأشرفية ضمن عائلة سياسية، وهاجرت إلى فرنسا خلال الحرب الأهلية ومن ثم إلى أميركا حيث درست الحقوق والقانون. لكنها فجأة قررت التخلي عن إرث العائلة السياسي والتوجه إلى التصوير الفوتوغرافي. هكذا، ابتعدت عن الحياة السياسية في لبنان واللاعبين فيها. سمعت مراراً ببعض أسماء السياسيين ورجال الدين في لبنان، ولكنها لم تتابع يوماً سِيَرهم الذاتية أو السياسية. أما عدستها فكأنها حفظت تاريخهم عن ظهر قلب. استفادت الفنانة من اسم والدها لتدخل بعض البيوت، ثم راح بعض السياسيين من الذين صورتهم يسهّلون لها الوصول إلى آخرين. أما مَن تمنعّ منهم، فقد هددته ممازحة بأنه سوف يكون الوحيد الذي لن يرد في كتابها عن «مقامات» لبنان، قبل أن يعود ويرضخ لعدستها بسعادة.


بحثاً عن الحميمية
يشكّل معرض «أصحاب المقامات» خطوة أولى ستتبلور صوب إنتاج كتاب يتضمن الصور المعروضة وغيرها أيضاً. فكرة المشروع بدأت قبل خمس سنوات، واستغرقت عمليات التصوير مدة شهرين تم تقسيمها إلى ثلاث مراحل. خلال المرحلة الأخيرة التي سبقت تجهيز المعرض، كانت الفنانة لميا ماريا أبي اللمع تلتقط صورتين في اليوم الواحد. في كل مرة، كان عليها أن تتخطى الموظفين والمستشارين والحراس الأمنيين، لتصل إلى حميمية صورتها مع السياسي الواقف أمام عدستها. تجول في غرف المنزل، تتفقد التفاصيل، وبسرعة تقرر زاوية الكاميرا ومكان الشخصية في صورتها، طالبة من «البودي غارد» تركيب الإضاءة بما أنها كانت تعمل وحدها من دون مساعدين. والنتيجة كتاب مفتوح يسرد تاريخ كل من وقف أمام عدستها.


«أصحاب المقامات» للميا ماريا أبي اللمع: حتى 27 كانون الثاني (يناير) ــ «غاليري تانيت» (شارع أرمينيا، مار مخايل) للاستعلام: 76/557662




«دار قنبز»: الابتكار البصري امتداداً للسان الفصيح

أينما حلّت «دار قنبز»، تجد نكهة خاصة وشغفاً مختلفاً للقراءة والكتب، ليس فقط بسبب إصداراتها المميزة، لكن أيضاً بفضل أهل الدار. في الزاوية المخصّصة لـ«دار قنبز» في معرض بيروت للكتاب، تنده سيفين عريس لشريكتها في الدار «نادين هناك مَن يسأل أين الكتب؟». سيفين عريس ونادين توما كانت قد جهزتا زاوية الدار على طريقتهما كالعادة. على الجدران، فرشتا صوراً كبيرة للعبة جديدة هي «حيوانات تلعب مع الألف باء تاء». وعلى مكعبات موزعة هنا وهناك، نشرتا كتب الدار المتعددة الأحجام والأشكال والألوان، وطبعاً ليس ضمن الطريقة التقليدية المتبعة في صف الكتب على الرفوف. هكذا توجهت نادين إلى الصبيتين المتسائلتين: «كل ما تريانه هنا هو كتب، ادخلا والقيا نظرة». اقتربت إحدى الصبيتين قائلةً: «عفواً. اعتقدت أنها لوحات، ولم أنتبه أنها كتب». هكذا هي الكتب في «دار قنبز» متعة للعين، تلتقط المتلصص عليها قبل أن يفكر حتى في لمسها. لطالما تعاونت الدار مع تشكيليين في لبنان مثل: غسان حلواني، جان مارك نحاس، فرح فيّاض وجورج مهيّا. كما أنّ للتصميم والتنفيذ والطبع روايات أخرى، تبدأ باختيار الورق المناسب الذي لا يكون متوافراً عادةً في بيروت، فيتم استيراده، واختيار شكل الكتاب وحجمه وطريقة فتحه من دون أن ننسى التفتيش كل مرة عن خط عربي جديد أسهل وأمتع للقراءة. هكذا أحاطت نادين توما الصبيتين بشغفها وراحت تسرد قصة كل كتاب معروض. وهنا لا بد من التوقف عند «حيوانات تلعب مع الألف باء تاء». إنها علبة تحتوي على ٥٦ بطاقة. على البطاقات الـ ٢٨ الأولى، تتوزّع أحرف الأبجدية العربية، وتحت كل حرف كتبت جملة تبدأ جميع كلماتها بالحرف المذكور، ويتخللها ذكر لحيوان. مثلاً: «صاد. صوص على الصاروخ يصوفر تحت الصفصافة». تقول توما إنّها قصدت تأليف جمل بلغة عربية فصيحة وسهلة، يستطيع الطفل أن يقرأها بالفصحى أو بالعامية. خلف كل بطاقة، تجد رسماً مؤلفاً من الحرف ذاته متكرراً ومشكلاً «سجادة الحرف». أما على البطاقات الـ ٢٨ الأخرى، فتتوزع الأحرف منفردة بخط كبير، مع لفظها بخط أصغر إلى جانبها، وخلف كل حرف نجد رسمة الجملة المكتوبة على البطاقات الأولى أي: رسمة صوص واقف على صاروخ يصوفر تحت شجرة الصفصافة. بذلك يتعرف الأولاد إلى أحرف الأبجدية، ويتعلّمون كلمات جديدة. اللعبة التي ألّفتها نادين توما، وأنجزت رسوماتها هبة فران، تم اختيار خط عربي جديد لها من تصميم «٢٩ حرف». من جهة أخرى، أثار فضول أحد الزوار إنتاجاً آخر للدار يدعى «حائط الهواء». على الغلاف الخلفي كتب «٧ حيطان. ٧ قصص. ٧ رسومات». القصص هنا مفصولة، وكل واحدة ثُنيت ثلاث ثنيات. عندما تفتحها، تظهر الرسمة كاملة لجان مارك نحاس. وفي الداخل تقرأ قصة نادين توما. عندما لاحظت توما اهتمام ذلك الرجل بالكتاب، سحبت من الغلاف القصة الأولى وقالت له: «لن أقول لك سوى أنّه ليس كتاباً للأطفال، وسوف أتركك تقرأ «الحائط الأول» ثم أعود إليك». كانت توما تعلم أنّ ذلك الزائر الفضولي لن يتوقف عند الجدار الأول، بل سيسحب جداراً خلف جدار إلى أن يقرر أنه سيضيفه إلى سلة مقتنياته، وهكذا حصل!


الجدار الأول ”أمي رفضتني. لم تلمس بطنها لتقول حبّها لي، لمسته لتسأل الدّنيا لماذا أنا فيها وهي حولي. هي حائطي وأنا في داخلها. أحتمي بها منها. لا أريد الخروج. سمعت بكاء أمّي. سمعت صراخ أبي. سمعت صراخ أمّي. سمعت تأنيب جدّتي. سمعت حب جدّي. سمعت عبطة عمتّي. سمعت العصفور والكلب والهواء والمطر. ولم أسمع حبّ أمي“.   






علي شرّي يقيس زلازل لبنان... الآتية


يشارك علي شري بفيلم قصير هو «القلق» (The Disquiet) يُعرض اليوم ضمن فعاليات «مهرجان دبي السينمائي الدولي». فيلم جديد مدعوم إنتاجياً من «الصندوق العربي للثقافة والفنون - آفاق» كان قد قدمه الفنان اللبناني في «مهرجان تورونتو» في أيلول (سبتمبر) الماضي. إنه شريط عن الكارثة، حيث يقودنا شرّي في البداية إلى تاريخ لبنان المليء بالزلازل والهزات الأرضية. يعيد سرد تاريخ بلد شهد دمار عدد كبير من مناطقه ومدنه إثر زلازل ضخمة ضربته على مرّ السنين.
زلازل سبّبت كوارث في الماضي، وتعد بكوارث أخرى في المستقبل، فموقع لبنان الجغرافي يبقيه معرّضاً لزلازل جديدة وربما لتسونامي يطمر مدنه الساحلية بأسرها يوماً. أمام كوارث لا يمكن وصفها أو حصرها، قرر علي شرّي أن يدع لجهاز قياس الزلازل مساحة كبيرة في فيلمه، مساحة لكتابة نص الكارثة. بين مشاهد الدمار من الأرشيف ومشاهد للمخرج (مخفي خلف الكاميرا) يهيم في الأرض بحثاً عن آثار الكارثة، تترافق الصورة في الفيلم مع نصوص يرويها شرّي من كتابته وسحر مندور، إضافةً إلى نصوص لماثيو غومبيرت، وموريس بلانشو.
يقدم «القلق» الكارثة ضمن قالب علمي يحاول أن يحصرها لعله يتمكن من فهمها. أمام عجز اللغة عن وصف هول الكارثة، تصبح الخطوط التي يرسمها جهاز قياس الزلازل الأبلغ في التعبير عنها، أو على الأقل في رسمها وهي في طور الحدوث. يفتتح «القلق» على مشهد نهر ذي مياه حمراء. يعيدنا ذلك المشهد إلى لحظة تولى فيها أفراد تلوين مياه نهر بيروت بمادة حمراء كتنبيه لكمية الدماء المراقة في سوريا في كل يوم، لكن في ظل الحروب والمصائب التي تعيشها المنطقة خلال السنوات الأخيرة، يختار علي شرّي أن لا يتكلم في السياسة، بل أن يذكرنا بأننا في لبنان نعيش على خط زلازل قد يتحرك في أي لحظة ويبتلعنا جميعاً. لا يتحدث عن الكوارث التي تسببها الحروب والمجازر والقتل، بل يتحدث عن كارثة أكبر، لا تميز بين طرف سياسي أو قضية أو حق أو باطل. فعل لا يلغي كارثة الحروب، بل يدفعنا إلى مقاربتها من زاوية مختلفة. علي شرّي كان قد شارك أخيراً في بينالي Videobrasil في ساو باولو، حيث عرض تجهيزه الفني «أنابيب الأحلام»، وحاز إحدى جوائز المهرجان. أما «فيديو برازيل» المخصص لعرض أعمال فنانين من البلدان الجنوبية في الكرة الأرضية، فقد انطلق في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، ويستمر حتى شباط (فبراير) ٢٠١٤. إلى جانب علي شرّي، يشارك كل من أكرم زعتري، وهايغ أيفازيان، وكاتب هذه السطور من لبنان، ومحمود خالد من مصر.


زينة أبي راشد: «أتذكّر» بيروت في الحرب والسلم



يوم السبت 7 كانون الأول (ديسمبر) يُختتم معرض زينة أبي راشد «باريس ليست جزيرة مهجورة» في «المعهد الفرنسي في بيروت». يقدم المعرض إستعادة لأعمال المؤلفة ورسامة القصص المصوّرة اللبنانية، تمتد من عام ٢٠٠٥ حتى عام ٢٠١٣، من كتب وملصقات وبطاقات بريدية، بالإضافة إلى فيديو «خروف» وبعض الرسومات من كتاب جديد في طور التحضير.

تخبرنا زينة أبي راشد عن مشوارها مع القصص المصورة. البداية كانت مع أول مشوار إلى «بيروت الغربية». خلال الحرب الأهلية، عاشت عند منطقة التماس في «بيروت الشرقية»، في شارع يوسف السمعاني، منطقة التباريس. الفنانة المولودة عام ١٩٨١، لم تكن قد تعرّفت إلى القسم الثاني من بيروت، إلى أن قرر أهلها زيارة شارع الحمرا وعين المريسة مع إنتهاء الحرب. «يومها شعرت كأنني سافرت إلى بلد آخر!».

ذلك المشوار الأول تبعته مشاوير كثيرة، وفضول للتعرف أكثر إلى المدينة بأكملها، بغربها وشرقها، والتكلم مع ناسها، لتبدأ أسئلة الهوية والذاكرة تشغل الفنانة في أعمالها المستقبلية. حينها، لم تكن قد قررت الغوص في عالم القصص المصوّرة، لكن إهتمامها بالرسم الثنائي الأبعاد دفعها إلى التسجل في قسم الإعلان في جامعة الـALBA، إلى أن أنتجت أول كتابين لها في لبنان: «[بيروت] كتارسيس»، ومن ثم «٣٨، شارع يوسف السمعاني». في «[بيروت] كتارسيس»، سردت زينة ذكريات الحرب الأهلية من منظار طفلة ولدت وكبرت في ظل هذه المرحلة. إنها سيرتها الذاتية، وطفولتها التي عاشتها بين البيت وشارع صغير ينتهي عند حائط يفصل بين عالمها والمدينة حيث الحرب. في أحد الأيام، يفلت بالون هوائي من يد الطفلة ويعبر الحائط إلى الجهة الثانية. ذلك الحدث كان اليقين الأول لوجود شيء خلف الحائط في عالم تلك الطفلة. ومثلما جال «البالون الأحمر» (للمخرج الفرنسي ألبير موريس) مستكشفاً باريس، دخلت زينة مع روايتها الأولى عالم القصص المصورة، مستكشفة الذاكرة والهوية عبر سيرتها الذاتية. شارع الطفولة عاد في كتابها الثاني «38، شارع يوسف السمعاني». تحديّاً لغياب الذاكرة في بيروت وسيطرة النسيان، قررت هنا أن ترسم وتخبرنا عن تفاصيل شارعها وتعرّفنا إلى سكانه. تذكر أنّها كانت قد تعرّفت حينها إلى بعض أعمال القصص المصورة لمازن كرباج فقط، فلم تكن هناك بعد «مجلة «السمندل»، ولا مجلات قصص مصورة عربية أخرى في المدينة». والأهم أنّ غياب دار نشر متخصصة في القصص المصورة في بيروت، دفعها إلى السفر إلى باريس عام ٢٠٠٤ حيث درست في Ecole Des Arts Décoratifs وتعرفت إلى ناشرها Cambourakis الذي ما زالت تتعامل معه حتى اليوم.

خلال دراستها الجامعية في باريس، وعندما كانت تبحث ضمن أرشيف موقع «المعهد الوطني للصوت والصورة» (INA) وقعت صدفةً على ريبورتاج فرنسي مصوَّر في بيروت الحرب عام ١٩٨٤. الحشرية دفعتها إلى مشاهدة الفيديو، لتفاجأ بمشاهد تألفها من حيّها الذي سكنته في بيروت. ثم تدخل الكاميرا إلى أحد الأبنية، وراح الصحافي الفرنسي يحاور سكان المبنى المحاصرين بسبب القصف، إلى أن تسمع إمرأة تقول للكاميرا: «أعتقد أننا ما زلنا، ربما، أكثر أو أقل أمناً هنا». أما تلك السيدة فلم تكن سوى جدتها، هي التي ــ بحسب زينة ـ لم تحدثها يوماً عن الحرب كأن ذاكرتها توقفت عام ١٩٧٥. تلك الحادثة، وسماع صوت جدتها في باريس ضمن ريبورتاج مصور في ١٩٨٤، دفعاها إلى بدء العمل على كتابها الثالث «نموت، نرحل، ونعود. لعبة السنونو». أرادت زينة أبي راشد التحدث عن تفاصيل الحرب الأهلية في بيروت لأن الجميع قرر تناسيها مثلما فعلت جدتها. لكنها لم ترد أن تسرد الوقائع التاريخية والسياسية، بل أرادت ولوج عالم الأفراد الذين عايشوا تلك الحقبة وتجاربهم، وعيشهم اليومي. إنها بيروت الثمانينيات، في «شارع يوسف السمعاني» أيضاً، لكن هذه المرة في مدخل شقة على الطابق الأول. هنا اجتمع أهل البيت والجيران في الغرفة الأكثر أماناً في المبنى من القصف. تفاصيل وقصص الشخصيات داخل تلك الغرفة ستتحول في «نموت، نرحل، ونعود. لعبة السنونو» إلى قصة بيروت وأهلها. وهنا أيضاً تلجأ أبي راشد السرد من منظور الطفلة، أسلوب يسمح لها بتناول مواضيع عميقة وثقيلة ببعض السذاجة المقصودة لإعادة سرد الوقائع المريرة بأسلوب مغاير يعيد قراءتها بطريقة مختلفة عن المعهودة في سرد وقائع حرب لبنان. تقول زينة لـ «الأخبار»: «من المؤكد أنّ مكوثي في باريس خلال كتابة ورسم تلك الرواية أثر كثيراً في الأسلوب. المسافة من الحدث تساعد في هذه الحالة». التوجه إلى جمهور فرنكوفوني حتّم على الفنانة الأخذ في الإعتبار توضيح بعض المسلمات في الثقافة اللبنانية، مما دفعها إلى إعادة التفكير فيها وطريقة تقديمها، ومما منح القارئ اللبناني فرصة إعادة إستكشاف تفاصيل في حياته اليومية لا يتوقف عندها عادة. نال «نموت، نرحل، ونعود. لعبة السنونو» نجاحاً كبيراً، وأمّن لأبي راشد وجوداً مهماً على ساحة القصص المصورة، وتمت ترجمة الكتاب إلى عشر لغات، دون العربية، الأمر الذي يحزن الفنانة، رغم أنّ «دار حاتم» اللبنانية قامت أخيراً بإدراج بعض أعمال زينة أبي راشد ضمن كتب الأطفال المدرسية في لبنان. في المقابل، أدت الترجمات إلى توفير تعاون مع صحف ومجلات مثل «نيويوك تايمز» والـ «باييس» الإسبانية، والعمل على ملصقات لمهرجانات موسيقية وغيرها.
أيضاً في جامعتها في باريس، أنتجت فيديو تحريك هو «خروف» الذي تخبرنا فيه عن مشكلتها مع شعرها المجعد. يمكنكم مشاهدة الفيديو في المعرض، كما الكتاب الذي صدر مجدداً والمنبثق عن الفيلم، لكن هذه المرة قدمت الرسومات بالألوان. بعدها، أنتجت كتاب «أتذكر» الذي تسرد فيه ذكريات الطفولة عبر قصص صغيرة تبدأ دوماً بجملة «أتذكر...». إلى جانب تلك الأعمال القديمة، تقدم زينة لوحات جديدة من كتاب في مرحلة التطوير والتنفيذ. هنا تنتقل من ذكريات الحرب والطفولة، إلى المرحلة التي شهدت إنتقالها إلى فرنسا، ثم مراحل الذهاب والإياب، محافظة على أسلوب السيرة الذاتية. جميع تلك الأعمال، بالإضافة إلى تجهيز فنيّ مصمم ببطاقات بريدية وصور فوتوغرافية، وفيلم أنتجته «متروبوليس - أرتي» عن الفنانة، يمكن الإطلاع عليها في غرفة المعارض في «المعهد الفرنسي في بيروت». فرصة للتعرف إلى زينة أبي راشد وأعمالها والتمتع برسوماتها. في ختام حديثها معنا، أخبرتنا أنّها في صدد تحضير كتاب جديد، لا يضمّه في المعرض، يسرد قصة تجري في بيروت الستينيات. وهذه المرة لن تكون القصة ذاتية، بل قصة خيالية تسائل عبرها الفنانة ذلك الإفتتان بستينيات بيروت.
«باريس ليست جزيرة مهجورة» لزينة أبي راشد: حتى 7 كانون الأول (ديسمبر) ــ صالة المعارض، «المعهد الفرنسي في بيروت».
نشر في جريدة الأخبار 



Planches inédites - © Zeina Abirached





 Le jeu des Hirondelles -  © Zeina Abirached et éditions Cambourakis