معرض جماعي: الفرد في غربته



Unheard Unsaid Untitled عنوان معرض اختتم قبل أيام في «فيلا باراديزو» في منطقة الجميزة. فاديا عنتر، كليمانس كوتار، مارك معركش وشاديا سماحة، تحت إشراف ليا صيدناوي يأخذوننا إلى تجربة فريدة من نوعها تدور في فلك المجتمعات المهمّشة.
أصوات رنين الهواتف تصدح إلى الخارج وتدعوك للدخول إلى عالم داخل المعرض، لا بل إلى داخل حكايا أفراد ومجتمعات مهمّشة. Unheard Unsaid Untitled كان عنوان المعرض الذي اختتم قبل أيام في «فيلا باراديزو» في منطقة الجميزة. إنّه تجربة فريدة أعدّها طلاب الماجستير في النقد والتنسيق الفنيين في «جامعة القديس يوسف»: فاديا عنتر، كليمانس كوتار، مارك معركش وشاديا سماحة، تحت إشراف ليا صيدناوي.
عند دخولك المعرض، يستقبلك شربل صاموئيل عون بتجهيز «صوت غير المرئيين». هواتف مثبتّة على الجدار ترّن بتواتر متفاوت وتدعوك إلى رفع سمّاعاتها للاستماع إلى قصص مسجّلة يرويها أشخاص لا يمكننا تلمس ملامح وجوههم ولا هوياتهم. نحن هنا في اتصال مع عالمهم الخاص والحميمي. يقدّم شربل تجهيزاً آخر بعنوان «حنفيات الهمس». عمل بليغ جداً في قدرته على تجسيد ذلك العالم المظلم للعاملات الأجنبيات في المنازل اللبنانية. ثقل مخيف يسيطر على فضاء تلك الغرفة. إنه عالم مليء بالمآسي لا يخترق صمته الثقيل سوى همسات ووشوشات هؤلاء النساء الأجنبيات الصادرة من الحنفيات، طالبات أن تدنو لتستمع إلى شكواهن. في المقابل، يأخذنا جورج عوده عبر صوره الفوتوغرافيّة إلى داخل حميميّة عمال البناء السوريين. يقصد عوده هؤلاء العمال في منازلهم، بعد غياب الشمس وانتهاء دوام عملهم. يقصدهم في زواياهم المهمشة ضمن المجتمع اللبناني، ويلتقط لهم صوراً في غربتهم، حيث يفترشون الأرض ليناموا في غرف صغيرة في انتظار طلوع الشمس ويوم عمل جديد. تتميز صور عوده بأنها تجسّد فضاءً مهمشاً يقطنه أفراد مهمشون، من دون أن تخلو من حالة إيروسية مثلية في كيفيّة التقاط عدسته لأجساد هؤلاء الرجال.
أما صور نديم أصفر الفوتوغرافيّة «سريري» فتوثّق الأشكال التي يرسمها سرير الفنان في كلّ صباح متحولةً إلى أثر لليل طويل. لكنها أيضاً تعيدنا إلى أحد أشهر أعمال الفنان فيليكس غونزاليس توريس التي تقدمّ سريراً فارغاً مع أثر لشخصين كانا مستلقيين هنا. قدّم توريس ذلك العمل عام ١٩٩١ إثر وفاة عشيقه «روسّ» بفيروس الايدز الذي قضى عليه أيضاً عام ١٩٩٦. في الطابق الثاني للفيلا، وضمن سينوغرافيا لغرفة جلوس، تتوزّع صور رندا ميرزا «عن الجنس والجندرة». التقطت ميرزا صوراً لأجساد عارية لرجل ونساء وأعادت توليفها ضمن أجساد لا جنس محدداً لها، بل مزيج من الجنس والجندريّة. علقّت بعض الصور على الجدران، فيما توزعّت أخرى ضمن إطارات على طاولات، وأقفلت باب الغرفة تاركة إيانا خلف النوافذ الزجاجية نسترق النظر إلى أجساد هجينة تدعونا إلى إعادة مساءلة معنى الجنس والجندرة.
هكذا أيضاً فعلت لارا تابت موزعة صورها في غرفة البيت الوسطية بين صور كبيرة رفعت على الحائط ضمن إطارات مزركشة ومذهبّة، وأخرى جرى تصفيفها على خزانة الأواني وأخرى على طاولة السفرة وسط الغرفة. تنقل لنا صور تابت «بينيلوبيات» لحظات مسروقة من حيوات نساء يقضين ما تبقى من العمر في منازلهن، مملكتهن، حيث لم يبق لهن سوى الانتظار. أما ديما حجّار، فاختارت أن توزع تجهيزها بين مدخل الفيلا، وغرفة في الطابق الثاني حيث تعيد تحويل لوحة Le Déjeuner sur l‘Herbe إلى فضاء مغلق داخل غرفة زجاجية، محاطة بمرايا توحي بأنك مراقب في كل مكان، مقترحة ذلك الفضاء الجديد على أنه «الجنة الخطأ». تقدمّ حجّار في أحد نصوصها وصفاً جميلاً جداً لتلك الجنّة انطلاقاً من اللوحة: «الجنة مكان مراقب. الجنّة مكان غير ملموس. آدم الأول وآدم الثاني غارقان في نقاش داخل الواجهة الزجاجيّة فيما تنظر إيفا إلى الخراب الذي خلفّه الترميم الأخير للسماء. في حياتها السابقة كانت إيفا تدرّس القرآن. في الجنة، تحوّلت إلى تمثال من الرخام». لكن للأسف بقي ذلك النصّ بكلماته أبلغ من ترجمته حرفيّاً في التجهيز الفني المعروض. في الغرفة الأخيرة، تقدم رنا عيد تجهيزاً صوتياً بعنوان «عبالي». عبره، تقودنا في رحلة يختلط فيها الخاص والعام عبر أحداث شخصية وتاريخية انطلاقاً من عام ٢٠٠٣.
هنا لا بد من التوقف عند تلك التجربة في تنسيق المعرض. تجربة تنسيق فريدة من نوعها، فمن النادر أن نتابع معارض لبنانيّة أشرف عليها منسقون عديدون. نحن أمام مجموعة تتألف من أربعة منسقين نجحوا في توحيد توجه المعرض لا شرذمته. نجحوا أولاً في اختيار موضوع مهمّ وغنيّ يتمحور حول الأفراد والمجتمعات المهمّشة ضمن مقاربات زوايا مختلفة وغنيّة فنياً. ثانياً، جاء اختيار تقديم المعرض داخل «فيلا باراديزو» خياراً صائباً جداً. تلك الأعمال كانت ستتخذ بعداً مختلفاً جداً لو خسرت ذلك البعد الحميميّ الذي يؤمنه منزل بطابقيه، وغرفه، خصوصاً أن تلك الحميميّة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأعمال المقدمّة وموضوع المعرض. أخيراً، استطاع المنسقون أن يقدّموا لكل فنان مساحته الخاصة والمناسبة لعمله ويمنحوا زائر المعرض فرصة تفقد كل عمل من دون أن يطغى أي عمل على آخر. وأخيراً، فتقديم معرض في فيلا مميزة بهندستها وتآكل جدرانها، كان يمكنه بسهولة أن يطغى على الأعمال المقدمّة، لكن المنسقين نجحوا في تطويع وظائف وسياقات الموقع لخدمة الأعمال، فظهّرت الفيلا أعمال الفنانين، بدلاً من أن تسرق الضوء منها.


غاليري تانيت | استحالة العيش



لا عنوان للمعرض، ولا يحمل عنوان «لا عنوان» الذي عهدناه في الفن المعاصر. المكان هو «غاليري تانيت» في بيروت. الفنانون المشاركون: شوقي يوسف، وليد صادق، جاكو رستيكيان، بسام قهوجي، عيسى ديبي، غيث الأمين. العمل لا يحمل أيضاً عنواناً، ولا يرافقه أيّ نصّ. هو عمل فنّي واحد مشترك بين فنانين ستة يتجلى في أربعة آثار: حفرتان مستطيلتان في الأرض ذات سماكة رقيقة، إلى جانب عامودي أساس في الصالة، وحفرة مستطيلة أخرى بالحجم ذاته في أحد جدران الصالة، والمواد التي نتجت عن عملية الحفر تلك. ذلك هو كلّ شيء. القصّة بدأت من صورة فوتوغرافيّة التُقطت في شارع الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية. اجتمع الفنانون الستة حول تلك الصورة، فأوحت لهم باستحالة العيش. استحالة العيش تحولت إلى موضوع العمل المشترك. هكذا، قابل الفنانون الستة صاحبة الغاليري نايلة كتانة، وطلبوا منها منحهم الحريّة المطلقة للتصرف بالصالة. وافقت كتانة شرط عدم إزاحة العواميد الأساسيّة للصالة. فعل مستحيل، فأزاحوها. أو بمعنى آخر، أوحوا لزائر المعرض أنّ العواميد كانت مكان الحفر في الأرض، وخارجة من الجدار، والآن أزيحت إلى موقعها الحالي. هكذا يقترح الفنانون الستة على زوّار المعرض ما يعتبرونه ممارسة فعل استحالي. من جهة أخرى، يمارس هؤلاء الهواية المحببة على قلب جزء كبير من الفنانين المعاصرين: الكلام عن الأعمال الفنّية. لذا، لمن يرغب في الاستماع إلى إسقاطات عن ذلك الفعل «المستحيل»، فيمكنه قصد صالة المعرض بعض الظهر حيث يتواجد بعض الفنانين يومياً والاستماع إليهم.
معرض مشترك: حتى 20 أيلول (سبتمبر) ـ «غاليري تانيت» (مار مخايل) ـ للاستعلام: 76/557662


ياسمين غريّب لنمنح الـ«أمل» للنساء المعنّفات

«أمل» فيلم قصير جديد للمخرجة اللبنانية ياسمين غريّب (1987) يطرح على منصة التمويل الجماعي «ذومال”. بعد فيلمها القصير الأول Saudade الذي قدّم للمرة الأولى في «مهرجان كان السينمائي»، ثم جال على أكثر من عشرين مهرجاناً ونال سبع جوائز عالميّة، تحضّر ياسمين غريّب اليوم لفيلمها القصير الثاني: «أمل» عن النساء اللواتي يتعرضن للعنف المنزلي. يروي الفيلم قصة «أمل» المرأة الشابة والجذابة التي توّد الهرب من العنف المنزلي الذي تتعرض له على يد زوجها.

لكن ثمن الحريّة تلك سيكون باهظاً. طوّرت ياسمين سيناريو فيلمها ضمن ورشة عمل نظمتها شركة «سينيفيليا للإنتاج» عام ٢٠١٣ في نيويورك، حيث حازت جائزة أفضل سيناريو عن فئة الأفلام المقدمة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بعدها، تولّت الشركة إدارة إنتاج الفيلم وتوزيعه. ولتطوير المشروع، كان لا بد للمخرجة من التعاون مع جمعية «كفى» التي تعمل منذ سنوات على مشروع إقرار قانون يجرّم العنف المنزلي. بحسب تقارير الجمعيّة، قتلت امرأة واحدة كل شهر في لبنان بسبب العنف الأسري منذ عام ٢٠١٠ حتى عام ٢٠١٤. أما خلال شهري شباط (فبراير) وآذار (مارس) ٢٠١٤ فقط، فقد لقيت أربع نساء حتفهن بسبب هذه الآفة. تستقبل «كفى» ما معدله ٢,٧٠٠ اتصال على خطّ الأمان و٤٥٠ امرأة سنوياً في مركز المساعدة الاجتماعيّة والقانونيّة والنفسيّة.

من حكايا وشهادات النساء لدى «كفى»، استوحت ياسمين غريب قصة بطلتها ”أمل“، لتعيد تقديمها ضمن فيلم قصير يروي قصّة خياليّة مستوحاة من روايات واقعية. تبقى السينما من الوسائل الناجعة جداً في نشر الوعي العام حول تلك القضية المأسويّة، وإيصال أصوات النساء المعنفات.

ألم يكفنا حتى اليوم التستر على جرائم قتل النساء تحت غطاء عدم التدخل في الشؤون العائليّة؟ كلنا نعلم من خلال قصص شخصية أو أخرى سمعناها في محيطنا، أنّ العنف المنزلي ضد النساء (والأطفال) ما زال متفشياً بنسبة عاليّة جداً في لبنان. تبذل جمعيّة «كفى» مع نشطاء عديدين في المجتمع المدني جهداً كبيراً لإقرار قانون لحماية النساء. وعبر عناصره الروائية وإمكانيّة سرعة انتشاره، ووصوله إلى عدد كبير من المشاهدين، سوف يسهم هذا الشريط في نشر الوعي، وربما في منح الثقة لبعض النساء المعنفات كي يصرخن في وجه المعتدي: كفى.
علماً أن أيّ دعم ــ ولو كان بسيطاً ــ سيشّكل فارقاً في ميزانيّة إنتاج الفيلم، فـ «أمل» يشارك في مسابقة The Must See Film التي تدعم السينمائيين المستقلين في العالم العربي، وتقابل كل مبلغ تسهم به في دعم فيلم ”أمل“ بالقيمة ذاتها، فيصبح المبلغ مضاعفاً. دعم إنتاج فيلم «أمل» يشكّل رفضاً للعنف المنزلي، ومساهمة بسيطة في دعم حقّ هؤلاء النساء المعنفات، على أمل أن يقرّ يوماً القانون غير المعدّل الذي يقدم الحماية الكاملة لهؤلاء النساء.






لا أسفَ على «الراحل الكبير»



أغنية ملتزمة بالقضايا السياسية والاجتماعية المعاصرة لا تخشى انتقاد السلطة بجميع أشكالها ضمن قالب موسيقي متقن وحديث. الفرقة اللبنانية تواصل مفاجآتها.
نعم أغنية «مولد سيدي البغدادي» نالت من التصفيق والإعجاب الكثير. لكن في جعبة فرقة «الراحل الكبير» أكثر من ذلك. منذ أن أبصرت النور العام الماضي، تعيد الفرقة إلينا الأمل في الإنتاج الموسيقي اللبناني. نحن ننتمي إلى جيل تربى على الإنتاج المصري الغني، من سيّد درويش وزكريا أحمد والشيخ إمام وصولاً إلى أم كلثوم ومَن جمعت حولها من كتّاب وموسيقيين، خلقوا تراثاً موسيقياً خالداً.
وخلال السبعينيات والثمانينيات، كانت حقبة الأغنية الملتزمة، وبرزت إنتاجات فنيّة موجّهة للقضية الفلسطينية، ومناهضة للحرب الأهلية في لبنان من توقيع فنانين أمثال زياد الرحباني وسامي حوّاط وخالد الهبر وأحمد قعبور ومرسيل خليفة... علماً أن تلك الحقبة عرفت أيضاً التأسيس لأسوأ أنواع الموسيقى التي عرفت بالبوب اللبناني مع أمثال سامي كلارك. ثمّ حطّت التسعينيات بثقلها السطحي علينا، وأنتجت ما أنتجته في ظل متابعة بعض الجيل القديم تقديم مادة موسيقية وغنائية قيمة، خصوصاً تعاون زياد الرحباني مع والدته فيروز. وبعيداً من أغنيات البوب التي لُحِّن معظمها على مقام النهوند (علماً أنه مقام غنيّ، لكن استعماله أتى في محدودية هابطة) برزت بعض التجارب التي لا يمكن إنكارها مثل «فرقة الشحادين» وبعض الفنانات الصولو اللواتي استعدن أغنيات من التراث الشرقي، وقدمن أغنيات جديدة، لتبقى تجربة ريما خشيش الأنجح بينهن، بالإضافة إلى التجربة الملتزمة بالكلاسيكي لمصطفى سعيد.

من جهة أخرى، وعلى صعيد الإنتاج اللبناني غير الشرقي، برزت فرقة «الصابون يقتل» مع زيد وياسمين حمدان. تجربة تلقفها الجمهور اللبناني بحماسة كبيرة، واستطاعت أن تقدم إنتاجاً موسيقيّاً فريداً وحديثاً، لكنها للأسف لم تستمرّ طويلاً. أما خلال الفترة الأخيرة، فلم نشهد على الساحة طرحاً جديداً يمكن التوقف عنده والاستبشار به خيراً، إلى أن ظهرت «الراحل الكبير». ما زالت الفرقة في أول المشوار، وربما نلقي عليها حملاً ثقيلاً ومسؤولية كبيرة. لكن حتى اليوم وعبر حفلاتها الأولى العام الماضي، ثم الريبرتوار الجديد هذا العام، استطاعت أن تبرهن أنها تقدم مقاربة وإنتاجاً موسيقياً مثيراً للاهتمام.

منذ ولادتها، أعلنت الفرقة موت «الراحل الكبير». موت جميع من ذكرناهم سابقاً. موت يتيح استعادة أعمالهم لتقدم في قوالب وتوزيعات جديدة، لا تلجأ إلى مزج غير عضوي بين الجاز والرومبا والسالسا مع الموسيقى الشرقية، لا بل تبحث من قلب العناصر الموسيقية الشرقية عن طروحات جديدة. قد تكون استعادات لأغنيات مثل «سايس حصانك» وموشح «لما بدى يتثنى» خير مثال على ذلك، لا بل إنّها من أجمل الاستعادات للأغنيتين. من جهة أخرى، نجد القدرة على التأليف الموسيقي الجميل كما في موسيقى «نحاس عتيق»، أو في أغنية «كلّ يوم منذ الأزل». مؤسس الفرقة خالد صبيح هو الذي يلحن معظم أغنيات الفرقة، فيما يتوزع الأداء بين نمط البطانة الشرقية والكورال الذي يشارك فيه جميع الموسيقيين (عماد حشيشو على العود، وعبد قبيسي على البزق، وعلي الحوت على الإيقاع) والغناء المنفرد المميز لساندي شمعون ونعيم الأسمر. أداء يمزج بإتقان بين الطرب وخفّة المونولوجيست. أما النقطة الأهمّ التي تطرحها فرقة «الراحل الكبير» فتتجلى في إجابتها على سؤال: عن أيّ أغنية نبحث اليوم؟

افتتحت الفرقة حفلتها الأخيرة في «مترو المدينة» بأغنية الشيخ إمام «وهبت عمري للأمل (ولا جاشي)» إعلاناً صريحاً بمحكومية الأمل الونوسيّة التي نعيشها اليوم في العالم العربي. بعد الترحيب بضيوف «الراحل الكبير»، توالت الأغنيات التي تطاول أمور الحبّ (أنا أكتر واحد)، ثم تعداد أيام الجمعة في أغنية «الأربعاء» الساخرة بكلماتها الهزليّة ولحنها الأبلغ من كل ما أنتجته ظاهرة سيمون أسمر وإخوانه، إلى أن وصلنا إلى النقد السياسي. لم تقتصر الحفلة على أغنية تتهكم على الخليفة البغدادي، والإجرام الداعشي، لكنها أيضاً طاولت الانتصارات المزعومة في العالم العربي: «كل اليوم نازل غضب الله علينا. بكرا حتنزل، بردو عليك، زيّ ما نازلة البلاوي علينا». كذلك، تهكمت الأغنية على تعاطي الوسائل الإعلامية، وماكينات البروباغاندا السياسية مع التفجيرات التي لا تطاول شخصيات مهمة «وتفجرّت. ولكن بفضله لم يمت أحد مهمّ». وفي التفجير أيضاً أغنية هي عنوان السهرة «لا بومب». تستعير الأخيرة من لياقة اللغة الفرنسية استئذاناً لذرع قنبلة، «يا مدام» لتنهي الحفلة بأغنيّة «قمت طلعت مع الناس، الناس المكسورين الراس». البداية مع وهب العمر للأمل، والنهاية مع الناس والشارع والثورة التي ستعود حتماً لتثور بإسم الناس وإن سرقت وزيّفت وكفرّت بالإنسانيّة اليوم. تلك هي الأغنية التي نبحث عنها، أغنية ملتزمة بالقضايا السياسية والاجتماعية المعاصرة التي لا تخشى أن تنتقد السلطة بجميع أشكالها ضمن قالب موسيقي جميل ومتقن وحديث، لا يخلو من التهكم وزرع الفرحة على شفاه المستمعين. أنتم الآسفون على موت «الراحل الكبير»، ونحن الفرحون بولادة فرقة جديدة تعد بالكثير.
«لا بومب» لفرقة «الراحل الكبير»: 21:30 مساء 23 و 30 أيلول (سبتمبر) ــــ «مترو المدينة» (الحمرا ـ بيروت) للاستعلام: ‪76/309363

عذراً أيها السوريون


لقد تركتم بلادكم، وبيوتكم وأرضكم هرباً من الظلم فقررنا أن نستقبلكم بعنصريتنا. عندما قام بعض الأفراد منكم بسرقة أو بإرتكاب أي جريمة، فبدلاً من أن نكتفي بإعتقال هؤلاء الأفراد ومحاكمتهم كما يجب أن يحصل في أيّ بلد يحكمه القانون، قررنا في بعض قرانا أن ننزل عقاباً جماعياً بكم ونفرض عليكم حظر تجوّل بعد الساعة السادسة مساءً.
وعندما قامت جماعات إرهابيّة متطرفة مثل "النصرة" و"داعش" المؤلفة من سوريين كما من لبنانيين وعراقيين وجنسيات عربيّة وأجنبية أخرى بخطف وذبح اللبنانيين كما حصل بكم وبأقربائكم في سوريا قبل أن تلجأوا إلى لبنان، قمنا بالتهجم على أيّ سوريّ أكان في منزله، أو في وسائل النقل العام، أو حتى سائراً على أقدامه في الطريق، وضربناه وسحلناه وقتلناه. علماً أن لبنانيّين مجرمين هما من ذبحا أحد الجنديين، ولكن العنصرية لا بصيرة لها. عذراً أيها السوريون، لأننا نسينا أننا أيضاً عشنا حروباً، وتشردنا، وتعرضنا للعنصرية والذل في البلدان التي لجأنا إليها. عذراً، لأننا نمتعض من إجرام "داعش" ولكننا لا نرى في عنصريتنا إجراماً. عذراً لأننا نستنكر كل يوم العقاب الجماعي الذي تنزله إسرائيل بالشعب الفلسطينيّ ولكننا لا نرى في حكمنا الجماعي عليكم خطأً.
إننا نمتعض من كثرتكم في بلادنا، ومن زحمة سياراتكم في شوارعنا، ومن لهجتكم التي تملأ مقاهينا. فنحن لا نوّد سماع تلك اللهجة إلا في علب تلفزيوناتنا. عودوا إلى وطنكم، عودوا إلى إستوديوهات الدبلجة، فنحن غير مستعدين لتحملكم في أزمتكم ونكبتكم، بل كل ما نريده هو أن نعيد إلقاء النكات على الحماصنة.
وإعلموا أن عنصريتنا ليست بجديدة ولم تولد مع لجوئكم إلى بلادنا، بل تمرّنا على ممارستها لسنوات طويلة على جميع العمال الأجانب في بيوتنا. لا بل إننا شعب طوّر مهارات في العنصرية، ولطالما إعتبرنا أن المآسي التي تجري في القرى والمدن البعيدة عن العاصمة لا تعنينا بشكل مباشر، وطبعاً لا تعني الدولة اللبنانيّة. عذراً، لأننا وإن ندعي أننا في لبنان متقدمون عليكم، وأكثر إنفتاحاً وتقبلاً للآخر، إلاّ أنه وراء تلك القشرة الزائفة من التحضّر تسيطر علينا غرائزنا، وقبليتنا، وطوائفنا، وحقدنا للآخر.
ولكن كما أنتم لستم جميعاً لصوصاً ومجرمين، كذلك بين اللبنانيين من لا يزال يرحبّ بكم، ويفتح داره وقلبه لكم. تلك هي دياركم، ونحن أهلكم، ليس فقط بحكم قرب البلدين جغرافياً وثقافياً والقرابة التاريخية بيننا، ولكن بحكم الإنسانيّة.

أنا، روي ديب، مواطن شاب لبنانيّ، لا أنتمي إلى أي طائفة، ولا أقدم الولاء إلى أي حزب من الأحزاب السياسية في لبنان، ولا يمثلّني أي من السياسيين اللبنانيين، أرفض وأدين الإجرام الذي لا جنسية له الذي يحلّ بكم وبنا، وأقدم إعتذاري إلى كل سوريّ لاجئ في لبنان تعرّض لأي نوع من العنصرية اللفظية أو الجسدية على يدّ أيّ لبناني آخر.

رأفت مجذوب في متاهات «الروض العاطر»

The Author Is Insane
مسافات طويلة يقطعها الفنان اللبناني لإنجاز روايته الجديدة The Perfumed Garden. من بيروت إلى عمان والقاهرة، يلتقي بأشخاص وأماكن وأغراض وقصص يوظّفها في عمله. محطته غداً في فضاء «مكان» في العاصمة الأردنية.
بعد بيروت، وقبل القاهرة، يقدّم الزميل رأفت مجذوب غداً في فضاء «مكان» في عمان (بدعوة من «استوديو إكس عمان» و«آرت تيريتوريز») قراءات وتجهيزاً فنيّاً ضمن مشروعه المتواصل لكتابة روايته باللغة الإنكليزية The perfumed Garden (الروض العاطر). درس مجذوب الهندسة المعمارية في «الجامعة الأميركية في بيروت»، وعمل في العمارة قبل أن يقرر التوقف عن المشاركة في البناء العشوائي والكارثي في لبنان. من جهة أخرى، شغل منصب مدير فني مع مجلة The Outpost لسنة ونصف السنة، واليوم يكتب لموقع «الأخبار» الإنكليزي عاموداً أسبوعياً بعنوان «سجلات الوداع».

صدرت لمجذوب روايتا Fetish Systems وL‘origine(s) du Monde للأطفال، أخرجتها لينا أبيض وقدّمت على «مسرح غولبينكيان». في العدد الأول من مجلة «ذي أوتبوست»، نشر مجذوب الفصل الأول من روايته «الروض العاطر». كما يدلّ العنوان، فالعمل مستوحى من كتاب النفزاوي «الروض العاطر في نزهة الخاطر» (القرن الخامس عشر). الرواية التي لا تزال قيد التطوير والكتابة، يقدمّها مجذوب على أنها سيرة ذاتية للعالم العربي. من خلال الفصل الأول وبعض الأجزاء الجديدة التي أصبحت متوافرة على موقعه الخاص، ندخل إلى عالم عربي لا تفصله الحدود التي نعرفها اليوم. هو عالم تمرّ فيه أميرة وحرّية من «حديقة الأزبكيّة» في القاهرة عبر شجر المطاط إلى عالم آخر. تعبر إحداهما إلى حديقة التلّ العليا في طرابلس. هناك، تلتقي حريّة بمحمّد، ويخبرها عن محمود الذي عاد إلى الكتابة. إنها حرّية التي أطلقت على هذا الكاتب اسم محمود تيمناً بالشاعر محمود درويش. يسكن محمود اليوم في «خان الثورة» ويقرأ كل ليلة كتاباته للقاطنين في الخان. ولا بدّ من أن يحتجّ أحد السامعين كل ليلة رافضاً أن يكتب خليفة محمود درويش باللغة الإنكليزية. لا شخصية رئيسية في «روض» مجذوب. تأتي الشخصيات وترحل خلال الرواية، وتبقى قصصها لترسم السيرة الذاتية للعالم العربي.

عالم تختلط فيه المساحة، وتولد فيه ممرات خفيّة تصل بيروت بالقاهرة بالقدس بعمان بدمشق وبسائر المدن العربيّة، راوياً قصص عرب لا يخجلون بتاريخهم ولا بأحلامهم ولا بأهوائهم. لكن خيار مجذوب كان عدم الانعزال للكتابة، بل استقصاء مواده من المدن العربيّة وسكانها. هكذا زار القاهرة لإجراء «كاستينغ» لشخصيات جديدة لروايته، وكذلك فعل في بيروت واليوم في عمان. شخصيات يستوقفها في الشوارع ويلتقطها عبر كاميرته طارحاً عليها أسئلة عامة عن حياتها وروايات تريد سردها. كذلك، أجرى «كاستينغ» لأماكن ومواقع موزعة في المدن العربية، لتجد الشخصيات والمواقع مكاناً لها ضمن كتابة الرواية. من جهة أخرى، ينتج مجذوب فيديوهات قصيرة تحمل عناوين «أخطاء». فيديوهات سجّلها عن طريق المصادفة وولّفها لتتحول إلى مادة ملهمة لنصوص جديدة في الرواية.

كما فعل في فضاء «٩٨ أسبوع» في بيروت قبل أشهر، يعرض مجذوب في فضاء «مكان» في عمان غداً بعضاً من فيديوهات الكاستينغ والأخطاء، ويقرأ النصوص التي نتجت منها، وقد أصبحت بدورها جزءاً من تطور الرواية. بعدها، سيقدّم تجهيزه الفني «الكاتب هو مجنون» حيث يعرض مغلّفات تحتوي على قصاصات من الورق وكاسيت، ويطلب ممن يريد من الجمهور أخذ أحد تلك المغلفات، وترك غرض شخصي مكانه. تلك الأغراض التي جمعت في بيروت، وستجمع غداً في عمان، ثم القاهرة، هي أيضاً مصدر لنصوص «الروض العاطر». في «الكاتب مجنون»، مزّق مجذوب ما تبقى من نسخ من روايته القديمة Fetish Systems وأعاد تكبيس صفحات متفرقة منها عشوائياً، ثم قرأ تلك الصفحات بتراتبيتها الجديدة وسجّلها على كاسيت، ووضع في كل مغلف مجموعة من الأوراق المكبسة مع كاسيت، وراح يوزعها على الناس مقابل أغراضهم الشخصية. بعد الانتهاء من تقديم القراءات والتجهيز غداً، سيدعا الحضور إلى «كأس مع آخرين» على سطح فضاء «مكان»، حيث ستعرض فيديوهات عشوائية ملتقطة بين عمان وبيروت والقاهرة، لتجتمع تلك الشخصيات مع الحضور في العاصمة الأردنية على كأس.

E 4 from Raafat Majzoub on Vimeo.
سيواصل مجذوب تلك التجارب المتعددة الوسائط في مختلف المدن العربية ومع سكانها، ويجمع منها مواد لروايته «الروض العاطر». أمّا أهميّة هذا الأسلوب في الكتابة، فيتجلّى في ما سيبقى من الرواية حين ينشرها. الرواية تأخذنا عادةً في رحلة تبدأ من الغلاف الأول وتنتهي عند الغلاف الأخير. أما غداً مع قراءة «الروض العاطر»، فسنعلم أنّ حرّية وأميرة، ومحمد ومحمود وزلفا وغيرها من الشخصيات الكثيرة تعيش فعلاً في العالم العربي، وأن العديد من الناس تركوا أغراضاً شخصيّة في يد الكاتب أصبحت جزءاً من الراوية، وهناك فيديوهات وتجارب متعددة الوسائط، أوسع من غلافي الرواية، بإمكانك الاطلاع عليها. مواد وروايات تتمدد من الكلمات التي تقرأها إلى بشر ومدن من العالم العربي. هكذا يحوّل مجذوب حيوات سكان العالم العربي إلى كلمات تروي سيرته الذاتية قبل أن تعود هذه الروايات إلى العالم العربي ضمن مساحة شاسعة تتأرجح بين الواقع والخيال.
Reading Errors: The Author is Insane لرأفت مجذوب: 19:30 من مساء الغد ـــ فضاء «مكان» (جبل اللويبدة ــ عمان).

كارول عبود... «خطوات» العزلة والخوف


كارول عبود في العرض (مروان بوحيدر)
في تجربته الإخراجية الأولى، ذهب يوسف الكبرا إلى أحد أواخر نصوص المعلّم الايرلندي. عمل مينمالي تؤدي الممثلة اللبنانية بطولته على خشبة «دوار الشمس» حيث شبح الأم يحوم في الجوار.
اختار المخرج الفلسطيني المولود في سوريا يوسف الكبرا (١٩٨٥) العمل على نصّ «خطوات» لصموئيل بيكيت، لتقديمه على خشبة «مسرح دوّار الشمس» بالعربية الفصحى مع الممثلة اللبنانية كارول عبّود. «خطوات» مسرحية قصيرة (٣٠ د) تقدم شخصية الأربعينية ماي التي تعيش مع والدتها العجوز والمريضة. لا تعرف ماي شيئاً عن الخارج. أنجبتها أمّها في سنّ متأخرة، وأمضت حياتها تساعد أمّها في عجزها وترعاها. ضمن عزلتها، تعيش ماي في التكرار والاجترار الذي يتجسّد على المسرح في الحركة التي تقطعها ذهاباً وإياباً في أروقة من الضوء، وفي حوار دائم مع والدتها.
كتب بيكيت نصّ «خطوات» عام ١٩٧٥، وقدّمه في مسرح «رويال كورت» في لندن عام ١٩٧٦. إنها من مسرحياته المينيماليّة الأخيرة التي اعتمدت على الشخصيات النسائية، وتجاربها في الحياة، بدلاً من الرجال الذين احتلّوا معظم أعماله الأولى. يشير بعض النقاد إلى أنّ شخصيّة ماي قد تعود إلى والدة بيكيت.
أثار اهتمام الكبرا التشابه الكبير بين حال الشخصية الرئيسية ماي وحالتنا اليوم، وما يلفّها من عزلة وخوف من الاتصال مع الخارج. يقول لـ «الأخبار» إنّه لم يشأ أن يقدّم إخراجاً معاصراً لنص بيكيت، بل أراد المحافظة على تركيبته للعرض، تاركاً للجمهور البيروتي التفاعل مع «خطوات». فعلاً، إذا قارنا العرض الذي أخرجه بيكيت عام ١٩٧٦ والمتوافر على يوتيوب، فإنّ عمل يوسف الكبرا اليوم عام ٢٠١٤، يبدو استعادة حرفيّة لعرض بيكيت، بل كأنه عرض من إخراج بيكيت وتنفيذ الكبرا. إلاّ أن الأخير أجرى تعديلات قد تبدو بسيطة لكن جوهريّة، تصبّ في المنحى الدراماتورجي للعرض في مقاربة النص أكثر من الإخراج العام وإدارة الممثل. تعديلات لا بدّ من التوقف مليّاً عندها، لأنّها تطرح أسئلة كثيرة.
عندما كتب بيكيت «خطوات» وأخرجها، طلب من بيلي وايتلو تأدية دور «ماي» على الخشبة، ومن روز هيل تأدية صوت الأم العجوز من دون أن تظهر على المسرح. أما الكبرا، فاختار أن تلعب كارول عبّود دور «ماي» على المسرح، وسجّل صوت الأم العجوز بصوت عبود أيضاً، فتحول النص من حوار إلى ما يشبه المونولوج الذي تؤديه ممثلة واحدة بصوتين.
لا جدل في أن بيكيت أراد أن يوحي أنّ ماي ووالدتها قد تكونان شخصاً واحداً، أو أن لا وجود فعلياً للأم، بل هي صوت في رأس ماي. لذلك، وضعها وسط مسرح كبير وفارغ، وتركها تخطو خطوات ثقيلة ضمن «كوريدور» ضوئي لا ينير سوى جسدها وفستانها الذي تجرّه وراءها. خيار التزم به الكبرا. لكن بيكيت اختار لصوت الأم ممثلة أخرى يسمعها الجمهور ويشعر بوجودها في إحدى زوايا ظلمة المسرح الشاسعة. عندما سألت الممثلة بيلي وايتلو بيكيت إن كانت الشخصيّة ماي متوفيّة، أجابها: «دعينا نقول فقط إنك لست بأسرك هناك». تلك الإجابة تختصر مسرحيّة «خطوات». العرض قائم على عجز الجمهور عن تحديد ما إذا كانت ماي ووالدتها موجودتين فعلاً أم لا. تلك هي حالة العزلة والتقوقع التي لم ينقطع فيها حبل السرّة بين الابنة ووالدتها. ما من حتميّة هنا، لا بل واقع بيكيتي بامتياز.
أما الكبرا، فلغى وجود الأم الجسدي على المسرح وحوّلها إلى مكبّر للصوت. لا نراها لكن نسمعها، فلا ندري إن كانت فعلاً موجودة أم لا. وعبر مزج صوت الأم وصوت الابنة، حتّم الكبرا علينا قراءة العرض من باب أنهما شخصيّة واحدة، فألغى المساحة الدرامية التي تمتزج فيها الشخصيتان وتنفصلان في ذهن المشاهد. المساحة التي تغذي الشكّ بأن أياً من الشخصيتين موجود أو غير موجود. ألا يضرب هذا التعديل الدراماتورجي جوهر المسرحيّة؟
كما أن بعض النصوص كتبها بيكيت على أنها حوارات، ثم تلقيها إحدى الشخصيات بصيغة المونولوج. والمقصود منها الإيحاء بأن ماي تألف كل ما تقوله الآن في لحظة نطقها له، فتصبح جميع الحوارات متخيّلة، إذ إنه لم يعد لها من رفيق في عزلتها سوى الكلمات. لكن عندما تتحول تلك النصوص في عرض الكبرا إلى حوارات فعليّة بين الوالدة والأم، ويضاف إليها صوت طفلة صغيرة مسجلّ، ألا تعيد هذه المقاربة تلك النصوص إلى مثيلاتها من الحوارات الأخرى في النص، فتفقد معناها وامتدادها إلى أبعاد أخرى في العزلة التي تعيشها ماي؟
أما خيار إلغاء المشهد الرابع من العرض، فغير مبرر، خصوصاً أن الكبرا أصرّ على تقديم العرض في «كوريدورات» الضوء ذاتها التي اقترحها بيكيت. في النص الأصلي، اختار المعلّم الايرلندي مشهداً رابعاً وأخيراً حيث يظهر كوريدور الضوء ذاته فارغاً من ماي للحظات ثم ينطفئ. نهاية كتبها بيكيت نصاً لا يحمل كلمات، لكنه في فراغه جزء من تركيبة العرض ونهايته، وهو مفقود في عرض الكبرا.
في تجربته الإخراجية الأولى، اختار يوسف الكبرا مغامرة صعبة مع نصّ مينيمالي لبيكيت. أراد الابتعاد عن زجّ النصّ في سياقات ورؤى إخراجية معاصرة، لكن بالتعديلات التي أجراها، أفقده عناصر أساسيّة.
امرأة خارج الزمن
تقول كارول عبوّد لـ «الأخبار» إنّ «خطوات» عرض صعب. رغم ما يوحي به من بساطة شديدة، حتى نخال أنه أشبه بتمرين تمثيليّ، إلّا أنه شديد التعقيد، لا بل إنه من النصوص التي يجب العمل عليها لمدّة طويلة جداً لإتقان تأديتها. مدّة غير متاحة ضمن سياق الإنتاج المسرحي العربيّ. غير أنّ عبّود استطاعت أن تجسد الصورة التي طلبها بيكيت من الممثلة بيلي وايتل: إنّها صورة امرأة خارج الزمن.
* «خطوات»: 20:30 مساءً حتى 9 أيلول (سبتمبر) ــ «مسرح دوار الشمس» (الطيونة ـ بيروت) ـ للاستعلام: 03/692592

نشر في جريدة الأخبار