مبادرة هي الأولى من نوعها في لبنان ويجب البناء عليها. بتنظيم من جمعية TAP، دعت المنسقة أماندا أبي خليل والتشكيلي سهيل سليمان سبعة فنانين حول العالم للإقامة في ربوع البلدة لإنجاز أعمالهم ومشاريعهم التي تعرض في نهاية الشهر الحالي.
مجلس بلدي يقرّر دعم الأنشطة الثقافية في بلدته، فيموّل مشروعاً ثقافياً، لا بل إقامة لفنانين لبنانيين وأجانب لمدة شهر في الفندق الوحيد في القرية، بالإضافة إلى ميزانية لإنتاج الأعمال، ثمّ يقدم لهم جميع التسهيلات اللوجيستية والخدماتية لتنفيذ مشاريعهم، ولا يتوانى عن تخصيص الوقت للقائهم ضمن اجتماعات متكررة للاستماع إلى تطلعاتهم، ومحاولة تذليل العقبات أمام تنفيذ رغباتهم. تلك ليست أمنية، ولا قصة خيالية، بل واقع يحدث اليوم بعيداً من بيروت، ومن إحتكارها للحياة الثقافية. إنها إقامة فنية دولية في بلدة مزيارة (قضاء زغرتا ـ شمال لبنان)، بتنظيم من جمعية «منصة فنيّة مؤقتة» (TAP) برعاية وتمويل بلدية مزيارة التي يترأسها مارون دينا. في أيار (مايو) الماضي، أطلقت TAP دعوة مفتوحة للمشاركة في إقامة فنية في مزيارة. الدعوة التي كانت موجهة إلى فنانين وكتاب ومهندسين ومصممين ومخططين مدنيين تجاوب معها حوالى ٥٠ فرداً حول العالم، فاختارت اللجنة ٧ منهم: فيكرام ديفيشا (الهند)، أكسيل مونييه (فرنسا)، باتريسيا بركات (لبنان/ بلجيكا)، لورا يويلي (بريطانيا)، «ميتاسيتو» المؤلفة من ليفا دوداريفا (لاتافيا) وإدواردو كاسينا (إسبانيا)، وأندريا غارزا (المكسيك).
منذ الثاني من آب (أغسطس)، وصل المشاركون إلى مزيارة لتمتد الإقامة حتى ٣١ آب (أغسطس). ولدت فكرة المشروع حين زارت مؤسِّسة TAP المنسقة الفنية أماندا أبي خليل للمرة الأولى مزيارة لتفقدها برفقة ابن مزيارة التشكيلي ومنسّق الإقامة سهيل سليمان. الزيارة شملت يومها ما يعرف بالمنطقة الصناعية في البلدة. مجمّع صناعي يقع في غابة السنديان المحيطة بالقرية، ويضمّ معملاً لتصنيع الخفّان وإنتاج حجارة البناء، ومزارع دجاج. لفتت تلك المنطقة اهتمام أماندا وسهيل، وتلاقى اهتمامهما مع خطة للبلدية تهدف إلى نقل موقع المجمع الصناعي إلى منطقة أخرى لتجنب آثار التلوث على البيئة الحرجية. لكن تلك الاهتمامات المشتركة لم تتوقف هنا، بل أسفرت عن بلورة أماندا وسهيل لمشروع الإقامة الفنية الذي يهدف إلى جلب فنانين حول العالم لتطوير أعمال حول ذلك الموقع والإشكالية التي يطرحها، والأهم أنّ بلديّة مزيارة قررت تمويل البرنامج ودعمه.
خطوة البلدية في دعم الإقامة الفنية في قريتها، ليست مثيرة للاهتمام فحسب، بل تعتبر مثالاً على باقي البلديات الاحتذاء به، خصوصاً أنّ رئيس البلدية مارون دينا لا يرى في تلك الخطوة جزءاً من نشاطات البلدية فحسب، بل حاجة لمقاربة المعضلة البيئية من زوايا مختلفة. هكذا يجد في المقاربة الفنية التي سيطرحها الفنانون في نهاية البرنامج سبيلاً للتفكير والتفاعل مع الحاضر، وخطوة نحو البحث المستقبلي في كيفية تحويل واستخدام تلك المساحة بعد إخلائها من المعامل الصناعية. طبعاً، فمشروع مماثل كان بحاجة لدعم من البلدية كي ينفذ، لكن لما ولد لولا اهتمام TAP بتنظيم مشاريع فنيّة ذات صلة بالحيز العام، وحرص أماندا أبي خليلو سهيل سليمان على تفعيل الحياة الثقافية خارج مركزية بيروت.
خلال الإقامة وفي موازاة عمل كل من الفنانين على تطوير مشروعه الخاص، جرت استضافة علي شرّي، وشذى شرف الدين، وباسم منصور، وغريغوري بوشاكجيان لتقديم محاضرات. وأدارت الراقصة يلدا يونس ورشة يوغا لثلاثة أيام، فيما دُعي عمر فاخوري، وباسكال هاشم ورنا حداد للعمل على منشآت فنيّة خاصة نُفّت وعُرضت في المساحات العامة في بلدة مزيارة.
أما الفنانون المشاركون، فغارقون في أبحاثهم وتطوير مشاريعهم. منهم من أمضى أياماً في جمع الروايات التي يتناقلها أهل القرية عن قصة نشوء الغابة التي يعتقد المزياريون أنّ نساء القريّة زرعنها منذ عشرات السنين. ويعمل هؤلاء الآن على تحويل تلك المواد إلى أعمال فيديو أو صوت وعروض حية. على الضفة الأخرى، اهتّم فنان آخر بالهندسة المعمارية الخاصة بالبلدة: بيت على شكل طائرة، وآخر على شكل هرم، أو قلعة بعلبك، أو قصر روماني. فيما يعمل فنانان آخران على اقتراح قرية مزيارة كضاحية لمدينة غير مرئيّة، مدينة ذات وسط موزّع بين لاغوس وساو باولو وسائر المدن التي هاجر إليها المزياريون. بالإضافة إلى مشاريع عدّة تتطور حول المنطقة الصناعية وأثرها في البيئة المحيطة بها. وإن كان لا مجال للخوض في تفاصيل كل المشاريع، إلا أنّه خلال زيارتنا للفنانين ومناقشتنا مشاريعهم، لفتنا تعمقّ هؤلاء في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والمكون لقريّة مزيارة، ومدى ارتباط مشاريعهم واقتراحاتهم أكان في تفاصيلها أم عبر طرحها العام بإشكاليات وأسئلة ملحة تعني البلدة، رغم قصر المدّة التي يمضونها هناك.
وتختتم الإقامة في مزيارة في ٢٨ آب (أغسطس) عبر حدث عام يقدم المشاريع التي نفّذها الفنانون خلال الإقامة. العروض تنطلق عند الساعة السادسة مساءً مع مشوار في الغابة برفقة الفنانة اللبنانية باتريسيا بركات، ثم يتوالى عرض مشاريع جميع الفنانين بين المنطقة الصناعية والقرية. ويختتم الحدث بعرض موسيقي يقدمه رائد ياسين، ثم ينطلق الجميع إلى فندق مزيارة للاحتفال مع الفنانين بنهاية الإقامة. للراغبين في التوجه إلى مزيارة نهار الخميس من بيروت، احجزوا أماكنكم منذ الآن في الباص الذي سينطلق عند الساعة الثالثة من منطقة السوديكو.
----
إقامة فنيّة دولية في مزيارة من تنظيم «منصة فنيّة مؤقتة» (TAP): لحجز الأماكن في الباص المتوجه من السوديكو إلى مزيارة نهار الخميس المقبل، الاتصال:
03 - 289715