الدورة الثانية من المهرجان الذي أشرف عليه شريف صحناوي، وهشام عوض، ولميا جريج، يفسح المجال أمام زوايا عديدة تسائل العلاقة ين الصوت والصورة، التي يبحث عنها المبدعون اليوم. عروض وتجهيزات ولقاءات وأعمال أُنتجت خصيصاً للحدث بمشاركة فنانين لبنانيين وأجانب.
برمجة متماسكة ومتناغمة يطرحها «مهرجان بيروت لفنون الصوت والصورة ـــ ماكينة الحلم ٢» الذي تكاتف «مركز بيروت للفن» و«ارتجال» (مهرجان الموسيقى التجريبية في لبنان) على تنظيمه هذه السنة. المهرجان الذي أشرف على إعداده شريف صحناوي، وهشام عوض، ولميا جريج، يفسح المجال أمام زوايا مختلفة تسائل العلاقة بين الصوت والصورة التي يبحث الفنانون عنها اليوم. ينطلق «ماكينة الحلم ٢» غداً الجمعة ليمتد خمسة أيام في «مركز بيروت للفن»، فيما سيُعرض فيلمان نهار الأحد في فضاء «دواوين» (الصيفي). لماذا هذا المهرجان؟ وما معنى تخصّصه في فنون الصوت والصورة؟ إنّ العديد من الأعمال الفنية (سينما، فيديو، تجهيز، مسرح...) تنضوي تحت عنوان «فنون الصوت والصورة»، لكن شريف صحناوي يقول لـ «الأخبار» إنّ ما يميز «ماكينة الحلم» هو طرحه أعمالاً تسائل العلاقة بين الصوت والصورة في طرحها الفني، لا مجرد أي عمل يعتمد هذين العنصرين.
«قد يكون مثالا السينما التجارية والكليب، النقيضين الأكثر وضوحاً في سيطرة عنصر الصوت أو الصورة على الآخر» يضيف صحناوي. أما الأعمال المبرمجة في المهرجان، فتقع في المنطقة الوسط، حيث يدفع الفنان الصورة والصوت إلى الحوار أو مسائلة علاقتهما ببعضهما بعضاً. هشام عوض يحيلنا على مقالة نشرت في جريدة «لوموند» (٢/4/ ١٩٩٢) مثّلت إحدى نقاط انطلاق البحث والتفكير. تسرد المقالة نقاشاً دار بين المخرجين السويسري/ الفرنسي جان لوك غودار، والأرمني أرتافازد بيليشيان. في حديثه عن لغة تتخطى عقبة تعدد اللغات، يقول بيليشيان: «كي أجد تلك اللغة، أستعمل ما أدعوه الصور الغائبة. أعتقد أنه يمكننا أن نسمع الصورة ونرى الصوت. في أفلامي، الصورة موجودة إلى جانب الصوت، والصوت إلى جانب الصورة. تبادل مماثل يفضي إلى نتيجة أخرى عن توليف عرفناه خلال زمن الأفلام الصامتة أو بالأحرى غير الناطقة». ويضيف غودار: «اليوم، تُفصل الصورة عن الصوت على نحو متزايد. نلاحظ ذلك على نحو أفضل في التلفزيون. الصورة من جهة، والصوت من جهة أخرى. لا علاقة بينهما، لا صحية ولا حقيقية. ليس هناك سوى العلاقات الخاصة بالسياسة. لذلك تجد التلفزيونات في أيدي السياسيين في بلدان العالم. والآن ينشغل السياسيون في صناعة شكل جديد للصورة يسمّى HD. وحتى اللحظة، ما من أحد بحاجة إليه». تلك التساؤلات والأفكار دفعت منظّمي المهرجان الثلاثة إلى تركيز الدورة الثانية على ثيمتين: تضم الأولى الأعمال التي تتناول علاقة الموسيقى التصويرية بالصورة، فيما تشمل الثانية الأعمال التي تتطرّق إلى علاقة الصوت بالمكان، وكيف يمكن للصورة أن توحي المكان وبالعكس.
من محطات المهرجان، تحية للفنان الأميركي فيل نيبلوك. تعرض كاثرين ليبروفيسكايا فيديو حياً مع موسيقى حية لنيبلوك، ثم يعرض الأخير ثلاثة أعمال له، وفي اليوم الثاني، يعرض تجهيزاً فنياً مع ماغدا ماياس. عايش فيل نيبلوك (١٩٣٣) تطوّر موسيقى الأندرغراوند في نيويورك منذ السيتينات. كان ينتج الموسيقى المينمالية غير المبنية على الإيقاع أو الميلودي. يعدّ نيبلوك اليوم من أهم الموسيقيين المينيماليين الذين أثروا في الكثير من الموسيقيين الشباب المعاصرين. حضوره اليوم في المهرجان فرصة للتعرف إليه عن كثب. في المهرجان أيضاً عمل لمارك فيشير وجاستين بارتون عن الصوت المحفز لإنتاج صورة متخيلة عن أماكن جرى تغييبها عبر شريط On Vanishing Land. أما في فضاء «دواوين»، فيعرض وثائقي Charisma X للمخرج إيفي إكسيرو. شريط يتناول حياة المهندس المعماري والموسيقي اليوناني إييانيس إكسيناكس. اشتهر الأخير بدمجه الموسيقى والعمارة، فألف موسيقى تؤدَّى في فضاءات خاصة، وصمّم عمارت بناءً على مقطوعات موسيقية، كما كان من الطليعيين في استخدام النماذج الرياضية في التأليف الموسيقي، مما ترك أثراً كبيراً في تطوّر الموسيقى الإلكترونية والرقمية لاحقاً. كذلك يعرض Blue لديريك جيرمن. المخرج الانكليزي الذي قدم فيلم «كرافاجيو» (١٩٨٦) الغنيّ بالألوان، سيصاب بالإيدز ويعاني سيطرة بعض الألوان على بصيرته في أواخر حياته، حين أنتج فيلمه الأخير «أزرق» (١٩٩٣). رحلة صراع مع المرض يسيطر فيها اللون الأزرق على الشاشة لمدة ٧٥ دقيقة مع موسيقى تصويرية تتخللها أصوات من فترة مكوثه في المستشفيات وحوارات الأصدقاء حوله وأصوات أخرى.
أما ضمن مشاريع «ماكينة الحلم»، فدعت لميا جريج فنانين لينتجوا أعمالاً خاصة للمهرجان. يستند علي شرّي إلى حوارات مأخوذة من فيلم «بيروت اللقاء» لبرهان علوية، ويعيد موضعتها ضمن تجهيز فني يحاول أن يخلق فضاءً معادلاً لفضاء الصورة. وتلقي ريّا بدران نظرة نقدية إلى فعل النوستالجيا عبر عمل صوتيّ يرتكز على جهاز الراديو كونه الناقل الرئيس للنوستالجيا الصوتية. أما الألمانيتان بيريت شوك وجوليا تياكي اللتان أطلقتا العام الماضي مشروع خريطة صوتية وبرنامج راديو عن الإسكندرية بعنوان «مشروع شوارع الإسكندرية»، فتقدمان المواد الأولى لمشروع مماثل عن بيروت، فيما يقدم طارق عطوي ورشة عمل تطرح أسئلة عن التسجيل والتأليف الصوتي داخل/ خارج الأماكن الخارجية والعامة، إضافةً إلى عروض وتجهيزات أخرى من دون أن يخلو المهرجان من محاضرات عن التساؤلات حول العلاقة بين الصوت والصورة ضمن العمل الفني.
بدأت القصة...
ولدت فكرة المهرجان عام ٢٠٠٩ من جراء حوار بين شريف صحناوي ورضوان مومنه، لكن الدورة الأولى منه لم تبصر النور قبل عام ٢٠١٢. حينها انضم نديم مشلاوي إلى صحناوي ومومنه ليعدوا ويبرمجوا الدورة الأولى من المهرجان. أما في دورته الثانية، فقد انضمت لميا جريج إلى شريف صحناوي، ومن ثم هشام عوض، ليختاروا ثيمات الدورة الحالية والفنانين المشاركين. تركيبة تفسح المجال أمام معدّين جدد في التعاون والتناوب على إعداد دورات المهرجان، مما يضمن غناه مستقبلاً.
«ماكينة الحلم ٢»: بدءاً من الثامنة مساء غد الجمعة حتى 30 ت1 (أكتوبر) ــ «مركز بيروت للفن» (كورنيش النهر ـ بيروت) للاستعلام: 01/397018 ـــ www.beirutartcenter.org