يوم السبت 7 كانون الأول (ديسمبر) يُختتم معرض زينة أبي راشد «باريس ليست جزيرة مهجورة» في «المعهد الفرنسي في بيروت». يقدم المعرض إستعادة لأعمال المؤلفة ورسامة القصص المصوّرة اللبنانية، تمتد من عام ٢٠٠٥ حتى عام ٢٠١٣، من كتب وملصقات وبطاقات بريدية، بالإضافة إلى فيديو «خروف» وبعض الرسومات من كتاب جديد في طور التحضير.
تخبرنا زينة أبي راشد عن مشوارها مع القصص المصورة. البداية كانت مع أول مشوار إلى «بيروت الغربية». خلال الحرب الأهلية، عاشت عند منطقة التماس في «بيروت الشرقية»، في شارع يوسف السمعاني، منطقة التباريس. الفنانة المولودة عام ١٩٨١، لم تكن قد تعرّفت إلى القسم الثاني من بيروت، إلى أن قرر أهلها زيارة شارع الحمرا وعين المريسة مع إنتهاء الحرب. «يومها شعرت كأنني سافرت إلى بلد آخر!».
ذلك المشوار الأول تبعته مشاوير كثيرة، وفضول للتعرف أكثر إلى المدينة بأكملها، بغربها وشرقها، والتكلم مع ناسها، لتبدأ أسئلة الهوية والذاكرة تشغل الفنانة في أعمالها المستقبلية. حينها، لم تكن قد قررت الغوص في عالم القصص المصوّرة، لكن إهتمامها بالرسم الثنائي الأبعاد دفعها إلى التسجل في قسم الإعلان في جامعة الـALBA، إلى أن أنتجت أول كتابين لها في لبنان: «[بيروت] كتارسيس»، ومن ثم «٣٨، شارع يوسف السمعاني». في «[بيروت] كتارسيس»، سردت زينة ذكريات الحرب الأهلية من منظار طفلة ولدت وكبرت في ظل هذه المرحلة. إنها سيرتها الذاتية، وطفولتها التي عاشتها بين البيت وشارع صغير ينتهي عند حائط يفصل بين عالمها والمدينة حيث الحرب. في أحد الأيام، يفلت بالون هوائي من يد الطفلة ويعبر الحائط إلى الجهة الثانية. ذلك الحدث كان اليقين الأول لوجود شيء خلف الحائط في عالم تلك الطفلة. ومثلما جال «البالون الأحمر» (للمخرج الفرنسي ألبير موريس) مستكشفاً باريس، دخلت زينة مع روايتها الأولى عالم القصص المصورة، مستكشفة الذاكرة والهوية عبر سيرتها الذاتية. شارع الطفولة عاد في كتابها الثاني «38، شارع يوسف السمعاني». تحديّاً لغياب الذاكرة في بيروت وسيطرة النسيان، قررت هنا أن ترسم وتخبرنا عن تفاصيل شارعها وتعرّفنا إلى سكانه. تذكر أنّها كانت قد تعرّفت حينها إلى بعض أعمال القصص المصورة لمازن كرباج فقط، فلم تكن هناك بعد «مجلة «السمندل»، ولا مجلات قصص مصورة عربية أخرى في المدينة». والأهم أنّ غياب دار نشر متخصصة في القصص المصورة في بيروت، دفعها إلى السفر إلى باريس عام ٢٠٠٤ حيث درست في Ecole Des Arts Décoratifs وتعرفت إلى ناشرها Cambourakis الذي ما زالت تتعامل معه حتى اليوم.
خلال دراستها الجامعية في باريس، وعندما كانت تبحث ضمن أرشيف موقع «المعهد الوطني للصوت والصورة» (INA) وقعت صدفةً على ريبورتاج فرنسي مصوَّر في بيروت الحرب عام ١٩٨٤. الحشرية دفعتها إلى مشاهدة الفيديو، لتفاجأ بمشاهد تألفها من حيّها الذي سكنته في بيروت. ثم تدخل الكاميرا إلى أحد الأبنية، وراح الصحافي الفرنسي يحاور سكان المبنى المحاصرين بسبب القصف، إلى أن تسمع إمرأة تقول للكاميرا: «أعتقد أننا ما زلنا، ربما، أكثر أو أقل أمناً هنا». أما تلك السيدة فلم تكن سوى جدتها، هي التي ــ بحسب زينة ـ لم تحدثها يوماً عن الحرب كأن ذاكرتها توقفت عام ١٩٧٥. تلك الحادثة، وسماع صوت جدتها في باريس ضمن ريبورتاج مصور في ١٩٨٤، دفعاها إلى بدء العمل على كتابها الثالث «نموت، نرحل، ونعود. لعبة السنونو». أرادت زينة أبي راشد التحدث عن تفاصيل الحرب الأهلية في بيروت لأن الجميع قرر تناسيها مثلما فعلت جدتها. لكنها لم ترد أن تسرد الوقائع التاريخية والسياسية، بل أرادت ولوج عالم الأفراد الذين عايشوا تلك الحقبة وتجاربهم، وعيشهم اليومي. إنها بيروت الثمانينيات، في «شارع يوسف السمعاني» أيضاً، لكن هذه المرة في مدخل شقة على الطابق الأول. هنا اجتمع أهل البيت والجيران في الغرفة الأكثر أماناً في المبنى من القصف. تفاصيل وقصص الشخصيات داخل تلك الغرفة ستتحول في «نموت، نرحل، ونعود. لعبة السنونو» إلى قصة بيروت وأهلها. وهنا أيضاً تلجأ أبي راشد السرد من منظور الطفلة، أسلوب يسمح لها بتناول مواضيع عميقة وثقيلة ببعض السذاجة المقصودة لإعادة سرد الوقائع المريرة بأسلوب مغاير يعيد قراءتها بطريقة مختلفة عن المعهودة في سرد وقائع حرب لبنان. تقول زينة لـ «الأخبار»: «من المؤكد أنّ مكوثي في باريس خلال كتابة ورسم تلك الرواية أثر كثيراً في الأسلوب. المسافة من الحدث تساعد في هذه الحالة». التوجه إلى جمهور فرنكوفوني حتّم على الفنانة الأخذ في الإعتبار توضيح بعض المسلمات في الثقافة اللبنانية، مما دفعها إلى إعادة التفكير فيها وطريقة تقديمها، ومما منح القارئ اللبناني فرصة إعادة إستكشاف تفاصيل في حياته اليومية لا يتوقف عندها عادة. نال «نموت، نرحل، ونعود. لعبة السنونو» نجاحاً كبيراً، وأمّن لأبي راشد وجوداً مهماً على ساحة القصص المصورة، وتمت ترجمة الكتاب إلى عشر لغات، دون العربية، الأمر الذي يحزن الفنانة، رغم أنّ «دار حاتم» اللبنانية قامت أخيراً بإدراج بعض أعمال زينة أبي راشد ضمن كتب الأطفال المدرسية في لبنان. في المقابل، أدت الترجمات إلى توفير تعاون مع صحف ومجلات مثل «نيويوك تايمز» والـ «باييس» الإسبانية، والعمل على ملصقات لمهرجانات موسيقية وغيرها.
أيضاً في جامعتها في باريس، أنتجت فيديو تحريك هو «خروف» الذي تخبرنا فيه عن مشكلتها مع شعرها المجعد. يمكنكم مشاهدة الفيديو في المعرض، كما الكتاب الذي صدر مجدداً والمنبثق عن الفيلم، لكن هذه المرة قدمت الرسومات بالألوان. بعدها، أنتجت كتاب «أتذكر» الذي تسرد فيه ذكريات الطفولة عبر قصص صغيرة تبدأ دوماً بجملة «أتذكر...». إلى جانب تلك الأعمال القديمة، تقدم زينة لوحات جديدة من كتاب في مرحلة التطوير والتنفيذ. هنا تنتقل من ذكريات الحرب والطفولة، إلى المرحلة التي شهدت إنتقالها إلى فرنسا، ثم مراحل الذهاب والإياب، محافظة على أسلوب السيرة الذاتية. جميع تلك الأعمال، بالإضافة إلى تجهيز فنيّ مصمم ببطاقات بريدية وصور فوتوغرافية، وفيلم أنتجته «متروبوليس - أرتي» عن الفنانة، يمكن الإطلاع عليها في غرفة المعارض في «المعهد الفرنسي في بيروت». فرصة للتعرف إلى زينة أبي راشد وأعمالها والتمتع برسوماتها. في ختام حديثها معنا، أخبرتنا أنّها في صدد تحضير كتاب جديد، لا يضمّه في المعرض، يسرد قصة تجري في بيروت الستينيات. وهذه المرة لن تكون القصة ذاتية، بل قصة خيالية تسائل عبرها الفنانة ذلك الإفتتان بستينيات بيروت.ذلك المشوار الأول تبعته مشاوير كثيرة، وفضول للتعرف أكثر إلى المدينة بأكملها، بغربها وشرقها، والتكلم مع ناسها، لتبدأ أسئلة الهوية والذاكرة تشغل الفنانة في أعمالها المستقبلية. حينها، لم تكن قد قررت الغوص في عالم القصص المصوّرة، لكن إهتمامها بالرسم الثنائي الأبعاد دفعها إلى التسجل في قسم الإعلان في جامعة الـALBA، إلى أن أنتجت أول كتابين لها في لبنان: «[بيروت] كتارسيس»، ومن ثم «٣٨، شارع يوسف السمعاني». في «[بيروت] كتارسيس»، سردت زينة ذكريات الحرب الأهلية من منظار طفلة ولدت وكبرت في ظل هذه المرحلة. إنها سيرتها الذاتية، وطفولتها التي عاشتها بين البيت وشارع صغير ينتهي عند حائط يفصل بين عالمها والمدينة حيث الحرب. في أحد الأيام، يفلت بالون هوائي من يد الطفلة ويعبر الحائط إلى الجهة الثانية. ذلك الحدث كان اليقين الأول لوجود شيء خلف الحائط في عالم تلك الطفلة. ومثلما جال «البالون الأحمر» (للمخرج الفرنسي ألبير موريس) مستكشفاً باريس، دخلت زينة مع روايتها الأولى عالم القصص المصورة، مستكشفة الذاكرة والهوية عبر سيرتها الذاتية. شارع الطفولة عاد في كتابها الثاني «38، شارع يوسف السمعاني». تحديّاً لغياب الذاكرة في بيروت وسيطرة النسيان، قررت هنا أن ترسم وتخبرنا عن تفاصيل شارعها وتعرّفنا إلى سكانه. تذكر أنّها كانت قد تعرّفت حينها إلى بعض أعمال القصص المصورة لمازن كرباج فقط، فلم تكن هناك بعد «مجلة «السمندل»، ولا مجلات قصص مصورة عربية أخرى في المدينة». والأهم أنّ غياب دار نشر متخصصة في القصص المصورة في بيروت، دفعها إلى السفر إلى باريس عام ٢٠٠٤ حيث درست في Ecole Des Arts Décoratifs وتعرفت إلى ناشرها Cambourakis الذي ما زالت تتعامل معه حتى اليوم.
خلال دراستها الجامعية في باريس، وعندما كانت تبحث ضمن أرشيف موقع «المعهد الوطني للصوت والصورة» (INA) وقعت صدفةً على ريبورتاج فرنسي مصوَّر في بيروت الحرب عام ١٩٨٤. الحشرية دفعتها إلى مشاهدة الفيديو، لتفاجأ بمشاهد تألفها من حيّها الذي سكنته في بيروت. ثم تدخل الكاميرا إلى أحد الأبنية، وراح الصحافي الفرنسي يحاور سكان المبنى المحاصرين بسبب القصف، إلى أن تسمع إمرأة تقول للكاميرا: «أعتقد أننا ما زلنا، ربما، أكثر أو أقل أمناً هنا». أما تلك السيدة فلم تكن سوى جدتها، هي التي ــ بحسب زينة ـ لم تحدثها يوماً عن الحرب كأن ذاكرتها توقفت عام ١٩٧٥. تلك الحادثة، وسماع صوت جدتها في باريس ضمن ريبورتاج مصور في ١٩٨٤، دفعاها إلى بدء العمل على كتابها الثالث «نموت، نرحل، ونعود. لعبة السنونو». أرادت زينة أبي راشد التحدث عن تفاصيل الحرب الأهلية في بيروت لأن الجميع قرر تناسيها مثلما فعلت جدتها. لكنها لم ترد أن تسرد الوقائع التاريخية والسياسية، بل أرادت ولوج عالم الأفراد الذين عايشوا تلك الحقبة وتجاربهم، وعيشهم اليومي. إنها بيروت الثمانينيات، في «شارع يوسف السمعاني» أيضاً، لكن هذه المرة في مدخل شقة على الطابق الأول. هنا اجتمع أهل البيت والجيران في الغرفة الأكثر أماناً في المبنى من القصف. تفاصيل وقصص الشخصيات داخل تلك الغرفة ستتحول في «نموت، نرحل، ونعود. لعبة السنونو» إلى قصة بيروت وأهلها. وهنا أيضاً تلجأ أبي راشد السرد من منظور الطفلة، أسلوب يسمح لها بتناول مواضيع عميقة وثقيلة ببعض السذاجة المقصودة لإعادة سرد الوقائع المريرة بأسلوب مغاير يعيد قراءتها بطريقة مختلفة عن المعهودة في سرد وقائع حرب لبنان. تقول زينة لـ «الأخبار»: «من المؤكد أنّ مكوثي في باريس خلال كتابة ورسم تلك الرواية أثر كثيراً في الأسلوب. المسافة من الحدث تساعد في هذه الحالة». التوجه إلى جمهور فرنكوفوني حتّم على الفنانة الأخذ في الإعتبار توضيح بعض المسلمات في الثقافة اللبنانية، مما دفعها إلى إعادة التفكير فيها وطريقة تقديمها، ومما منح القارئ اللبناني فرصة إعادة إستكشاف تفاصيل في حياته اليومية لا يتوقف عندها عادة. نال «نموت، نرحل، ونعود. لعبة السنونو» نجاحاً كبيراً، وأمّن لأبي راشد وجوداً مهماً على ساحة القصص المصورة، وتمت ترجمة الكتاب إلى عشر لغات، دون العربية، الأمر الذي يحزن الفنانة، رغم أنّ «دار حاتم» اللبنانية قامت أخيراً بإدراج بعض أعمال زينة أبي راشد ضمن كتب الأطفال المدرسية في لبنان. في المقابل، أدت الترجمات إلى توفير تعاون مع صحف ومجلات مثل «نيويوك تايمز» والـ «باييس» الإسبانية، والعمل على ملصقات لمهرجانات موسيقية وغيرها.
«باريس ليست جزيرة مهجورة» لزينة أبي راشد: حتى 7 كانون الأول (ديسمبر) ــ صالة المعارض، «المعهد الفرنسي في بيروت».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق