في دردشة مع والدة الفنانة جوان باز، تقول سميرة باز إنّه عندما تصفحت الكتيب الذي صدر مع العدد الأخير من مجلة The Outpost، لم تتخيل أنّه من هذا الكتيب الصغير، والبسيط بمفرداته ورسوماته، يمكن إنتاج ذلك المعرض بتفاصيله كلها. ما لم تعرفه والدة باز، أنّها تلك هي الحالة في «دار قنبز» مع نادين توما وسيفين عريس، حيث كل تفصيل يتحول مادةً شيقة للاستكشاف، وطبعاً بتنفيذ وتقنية عالية، فكيف لو كانت تلك التفاصيل متعلقة برحلة مركبة إلى فلسطين مع جوان باز؟
ضمن «أسبوع بيروت للتصميم» في منطقة «الصيفي فيلاج»، حطت باز و«دار قنبز» رحالهما في معرض «ذهبت أبحث عن فلسطين فوجدت». في البداية، يستقبلك كتيّب أرقام حيث تخصّص باز لكل رقم (من الواحد إلى العشرة) رسومات لأشياء وجدتها خلال رحلتها بحثاً عن فلسطين. وانطلاقاً من مقولة محمود درويش «السخرية تساعدني على تخطّي قساوة الواقع الذي نعيشه»، أعادت جوان تسمية ما وجدته في رحلة البحث تلك ضمن قالب ساخر يجعلنا نعيد التفكير في تفاصيل تعدّ من المسلّمات. هكذا تحولت الألغام الإسرائيلية إلى «ألعاب» في إشارة إلى أشكالها التي قصد عبرها الإسرائيلي إغراء الأطفال للعب بها. وبذلك، تحولت الأشلاء وأطراف الأجساد المبتورة إلى «أخطاء». أما الدبابات الإسرائيلية المهزومة والموجودة في الجنوب اللبناني، فتحولت إلى «آثار». من ذلك الكتيب، استوحت باز تجهيزاً فنياً يحمل عنوان «حائط». في الحائط الخشبي الموجود وسط الصالة، عشرة ثقوب صغيرة تدعونا إلى النظر عبرها إلى عشرة فيديوهات. وإلى جانب كل ثقب طابعة حبرية تحمل رسم أحد الأشياء المذكورة في الكتيب، وعلى المتفرج طبع الرسم على الحائط جنبه كلما شاهده يعبر في الفيديو. ذلك الحائط مع فيديوهاته الملتقطة بأسلوب Road Movie أشبه بصندوق فرجة يرينا عالماً بعيداً منا.
إنه الجدار الذي يفصلنا عن فلسطين. لكن مجرد أن نعبره إلى الغرفة الثالثة، تتضح لنا الشاشة التي تعرض الفيديوهات مجتمعة، لنعود ونتنبّه إلى عبثية قرب الأراضي الفلسطينية منّا، وعدم استطاعتنا زيارتها. في المساحة الثالثة التي تحمل عنوان «محلّ تذاكر»، تتوافر أغراض من تجهيز «دار قنبز» وباز منها قماش قطنيّ أبيض مع خيارك من الطبّاعات الحبريّة لصنع كوفيّتك الخاصة. كذلك، هناك مربعات تطريز، استندت الدار في تصميمها إلى أسلوب التطريز الفلسطيني، واعتمدت فيها رسومات جوان باز، فنتج منها «طرز قانا» و«الأرملة» و«بوابة فاطمة» و«مارون الراس»، بالإضافة إلى بطاقات بريدية، وملصقات مغناطيسية، وحتى كعكات على شكل دبابات إسرائيلية لأكلها! ما يميز «ذهبت أبحث عن فلسطين فوجدت»، هو استعماله مفردات السفر وما يصادفنا خلال تلك الرحلة المركبة نحو فلسطين في قالب قد يبدو ساخراً أو عنيفاً، لكنه يحدث تلك الصدمة التي تجعلنا نعيد التفكير في مسلمات حفظناها.
«ذهبت أبحث عن فلسطين فوجدت» حتى بعد غد الاثنين ( من الساعة ١١ صباحاً حتى ٧ مساءً) ـ صيفي فيلاج، «غاليري مقام» سابقاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق