شهدت الساحة الفنية المعاصرة اللبنانية أخيراً بروز جيل جديد يحاول أن يطرح أفكاره ووسائله الخاصة، في حوار مع من سبقه، أو بعيداً جداً عنه. أما «مركز بيروت للفن» فيلعب عبر معرض «عتبات» دوراً مهماً وفريداً في اكتشاف فنانين صاعدين (لبنانيين بشكل أساسي)، وتأمين مساحة العرض لهم، وتعريف الجمهور بتجاربهم.
معرض «عتبات» قائم على دعوة مفتوحة للفنانين الصاعدين، بينما يتم اختيار الفنانين المشاركين في كل دورة من خلال لجنة مستقلة تتغير كل عام، من دون أن ننسى فرصة العرض لمدة شهر ونصف في أحد أهم فضاءات الفنون المعاصرة في لبنان. وبذلك، فإنّ «عتبات» يقدم نوعاً ما صورة عن الإنتاج الفني المعاصر الشبابي في لبنان، ولكن ملاحظة استوقفت المركز هذا العام، واختتم بها مقدمة كاتالوغ «عتبات ٢٠١٣» بالجملة الآتية: «ومن باب الصدفة يعيش عدد كبير من الفنانين المشاركين خارج لبنان». ملاحظةٌ تجد صدقيّتها في أن 10 فنانين من أصل 14 وُلدوا وأقاموا أو انتقلوا للعيش أخيراً خارج لبنان. ملاحظة على بساطتها تفتح الباب أمام بعض التساؤلات التي لا بد من التوقف عندها.
أولاً، إن جولة سريعة على بيوغرافيا الفنانين المشاركين في «عتبات ٢٠١٣» تظهر أن عدداً كبيراً منهم، وخصوصاً المقيمين خارج لبنان، شاركوا سابقاً في معارض جماعية ومنفردة في لبنان كما في عواصم ثقافية مرموقة حول العالم، ما يطرح سؤالاً حول حاجتهم فعلاً إلى عتبة لدخول المكعب الأبيض. وهل على اللجنة التحكيمية مستقبلاً أن تخاطر أكثر في تقديم العتبة لفنانين لبنانيين شباب لم يسمح لهم المعدّون الفنيون ولا الغاليريات بفرصة لتقديم أعمالهم حتى في بلدهم؟ أما السؤال الثاني والأهم: لماذا أصبح معظم الفنانين الصاعدين الشباب اللبنانيين مقيمين خارج البلد؟ قد يكون لذلك أسباب كثيرة؛ منها سوء الوضع الأمني والاقتصادي، وعدم توافر الدراسات الفنية العليا في لبنان.
الأسباب غير مهمة هنا، بل النتيجة. وهنا لا نقصد طبعاً التمسك السطحي بأرض الوطن أو أي من شعارات وزارة الداخلية ومديرية الجيش التي تتحفنا بها على لافتات إعلانية تغمر الطرقات، لكننا أمام واقع يفتح الباب على احتمالات جديدة، منها كيفية تطور علاقة الفن المعاصر بالجمهور اللبناني، وبمواضيع محلية ينظر إليها من الخارج، وانحصار تفاعله مع مساحات ومؤسسات تؤمن تلك الصلة بين الخارج والداخل. قد لا تكون تلك الحالة جديدة، فمعظم فناني الجيل السابق الذين أصبحوا خارج لبنان اليوم كانوا قد انطلقوا من بيئتهم المحلية إلى الخارج، فهل نشهد حالة معاكسة حالياً؟ لسنا نحكم بإيجابية أو سلبية على تلك الحالة، لكن من المهم التوقف عندها، ومناقشتها، وخصوصاً في ظل الشرخ الموجود بين الفن المعاصر وجمهوره اللبناني الذي يكاد يقتصر على الفنانين أنفسهم وبعض المهتمين القلائل. فهل تسهم هذه المسافة بين الجمهور والفنانين في تكريس مسافة أكبر مع أعمالهم؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق