الناقد جو طراب ودافيد خلال ندوة الـ «ألبا» (ابراهام كالوستيان) |
بعد مشاركتها في محاضرة حول «تاريخ الفن في بيروت خلال السيتينيات والسبعينيات انطلاقاً من أرشيف عارف الريّس»، التقينا المعدّة الفنيّة ومنسقة المعارض الفرنسية كاترين دافيد (1954) في «الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة» (ALBA) للوقوف عند نظرتها إلى واقع الفنّ في العالم العربي اليوم.
درست دافيد علم اللغات وتاريخ الفن في جامعة الـ «سوربون» و«معهد اللوفر» في باريس. بين 1982 إلى 1990 عملت أمينة لـ «المتحف الوطني للفن الحديث» في «مركز جورج بومبيدو». ومن عام 1990 حتى 1994، أشرفت على «المتحف الوطني للفن الحديث» في باريس. لم يقتصر عمل كاترين على باريس فحسب، بل شغلت منصب مديرة فنية لمعرض «دوكومنتا» العاشر في كاسل الألمانية (1994 إلى 1997).
زيارتها الأولى إلى بيروت كانت عام 1998 لحضور «مهرجان أيلول»، حيث تعرّفت إلى الأفراد والمؤسسات الفاعلة على الساحة الفنية اللبنانية. أطلقت في 2002 مشروع «التمثيلات العربية المعاصرة» الذي تمحور جزؤه الأوّل حول لبنان، ثم مصر، فالعراق، فيما تعمل حالياً على مشروع متواصل في بغداد. وتعليقاً على النشاط الثقافي في العاصمة العراقية، تقول دافيد لـ «الأخبار» إنّ «النشاط الثقافي المعاصر ما زال محصوراً ببعض الأفراد الذين يعملون بجهد في ظل غياب الهيكيلية التي تؤسس لنشاط دائم ومستمر».
لا تنكر دافيد محاولات معرض «آرت دبيّ» التأسيس لأنشطة تتخطى المنحى التجاري، رغم اعتقادها أنّ مشكلتها الأساسية تتمثّل في انعدام الاستمرارية. ذلك أنّ الفعاليات تغيب في دبي قبل «آرت دبي» أو بعدها، بحيث ينحصر كل شيء ضمن هذا المعرض السنوي. تثني دافيد على محاولة مديرة المعرض أنطونيا كارفر وفريق عملها لتكريس ذلك البعد الثقافي عبر الشراكة مع «منتدى الفنّ العالمي»، وجائزة «أبراج الفنيّة»، أو لناحية إطلاق قسم «دبي مودرن» هذه السنة. لكنّها تضيف أنّ الإشكالية تصبّ في خيار أيّ مؤسسة في حمل خطابي التجارة والثقافة معاًَ. وتشير إلى أنّ المشكلة في دبي تكمن في غياب المؤسسات الثقافية والمتاحف، ما يضطر «آرت دبي» لتأدية الدورين، فينجح حيناً ويخفق أحياناً. وإنّ هناك شكوكاً كبيرة بأن متاحف مثل «اللوفر» أو «غوغنهايم» ستساهم في سدّ تلك الثغرة في المستقبل.من بغداد انتقل الحديث إلى النشاط الثقافي الذي تطوّر بسرعة هائلة في منطقة الخليج العربي، وتحديداً إلى الدور الذي تلعبه المؤسسات الثقافية الكبرى هناك. تقول كاترين «يجب أن نكون واضحين أنه في الخليج تتوافر السوق والمال، وهذا ليس كافياً لتأسيس لثقافة». لكن «إذا ما نظرنا بالتفصيل إلى بعض المشاريع، يمكننا تمييز الدور الذي تقوم به «مؤسسة الشارقة للفنون» تحديداً على صعيد الديناميكية المحلية». وتوضح دافيد أنّ دور المؤسسة ذكي لناحية تجذره وتفاعله مع الفنانين ومتابعة أعمالهم. علماً أن «بينالي الشارقة» ليس مشروعاً جديداً، إذ يقدّم في العام المقبل دورته الـ 12. بالتالي، ما يحدث في الشارقة أكثر صدقاً من الفعاليات الثقافية الأخرى في أبوظبي أو في دبيّ التي تفتقر عملياً إلى الثقافة. وإذا تعمّقنا في البحث، نجد حوادث مهمة مثل معرض النحت الذي يقام على كورنيش مدينة جدّة منذ أواخر الثمانينيات. كذلك، هناك بعض الأنشطة الثقافية التي كانت تشهدها البحرين والكويت، في حين كانت الإمارات وقطر تفتقران إليها.
وبالعودة إلى قسم «دبي مودرن» (مخصص للفن الحديث) المستحدث الذي شاركت كاترين دافيد في لجنته الفنيّة الاستشارية، ترى أنه لطالما كانت الحاجة ملحّة لاستحداث ذلك القسم في ظلّ غياب المتاحف عن أرشفة وعرض حقبة الفنّ الحديث في المنطقة. من هنا تأتي محاولة «دبيّ مودرن» لإلقاء الضوء على هؤلاء الفنانين وتقديم أعمالهم للجمهور الذي تجاوب كثيراً هذه السنة مع القسم الجديد.
لا يمكننا الحديث عن الفن العربي المعاصر من دون التوقّف عند المخاض الذي تشهده بعض البلدان العربية. تجد دافيد أنّه من المبكر الحديث عن أثر تلك الحوادث على النتاج الفني، أو حتى التماس أعمال جديّة تحاكي الوضع السياسي الاجتماعي. تسقط معظم الإنتاجات الفنية اليوم في الإيكزوتيكية الذاتية أو المقاربات المباشرة، ما يصبّ بشكل مباشر في التجارة الفنيّة البائسة في زمن الحروب. تلك حالة شهدناها في لبنان وفلسطين وغيرهما، فيما تمتدّ بسهولة اليوم إلى بلدان أخرى في سياق الثورات. لعل الاستثناء الأكثر تميّزاً هو تونس، رغم أنّه لا يمكننا تشبيه التجربة التونسية بالمصرية أو السورية. هناك أعمال تونسية شبابية كثيرة، تحديداً في الرسم. يعود ذلك إلى البيئة الاقتصادية المتواضعة التي يعمل فيها التونسيون، يكفي هذا الجو لأن يولّد أعمالاً أكثر عضوية وصدقاً من الأعمال الضخمة المنتجة في العالم العربي.
تؤكد دافيد مجدداً أن علينا الانتظار قليلاً ريثما تجد التغييرات في العالم العربي الأشكال الفنيّة المناسبة لتجليها. أما بالنسبة إلى الساحة الفنيّة في لبنان، فتأسف لعدم اطلاعها الكافي على نتاج الفنانين الشباب اللبنانيين خلال العقد الفائت. وتختم بأنّ السوق الفنيّة تبقى الخطر الأكبر اليوم على الإنتاج العربي الصادق. برأيها أنّ السوق توسعت جداً في العالم العربي خلال السنوات الأخيرة، وتنامت الرغبة الأجنبية الإكزوتيكية في الانفتاح على الأعمال العربية، بما ينذر بسيطرة شبح الفتيشية تجاهها.