أمس، اختتمت مجموعة «أصيل» فعاليات المنصّة الإبداعيّة التي تقام للمرة الأولى ضمن نشاطات جمعية «بينالي بيروت للصورة». المنصّة التي توزّعت على فضاءات عدة في لبنان، احتضنت لستة أيام معارض وورش عمل وعروضاً أدائية تعيد محاورة الجسد والإعاقة في أطر فنيّة ولغة مختلفة.
أمس، اختتمت منصّة «وضاءات» فعالياتها بحفلة بعنوان «توحّد» (الأخبار 8/12/2014) قدّمتها مجموعة «أصيل» للموسيقى العربيّة المعاصرة. «تَوَحُّد» مشروع موسيقيٌّ آليٌّ وضعه الموسيقي مصطفى سعيد، ويحاول مقاربة علاقة الموسيقي مع نفسه ضمن المجموعة، وكيف يمكن أن يكون في حالة عزلةٍ أثناء العمل الجماعي من دون إفساد العزلة ولا العمل الجماعي.
حفلة الأمس كانت النشاط الأخير الذي توّج ستة أيام من المعارض وورش العمل والعروض الأدائية وغيرها من الأنشطة التي توزعت بين «فيلا باراديسو»، «ستيشن بيروت»، ومغارة جعيتا حيث قُدمّت المنصة الإبداعيّة «وضاءات» للمرة الأولى في لبنان. تعدّ «وضاءات» النشاط الأول لجمعيّة «بينالي بيروت للصورة» ويتألف فريق عملها من فنانين وناشطين هم: غادة واكد (مؤسسة)، مارك أبي راشد، طارق شمالي، نايلة جعجع، مي غيبه، جيلبير الحاج، نتالي حرب، سحر ملك، رانيا الرافعي، جومانا صيقلي، مارينا صفير، ناجي زهّار، وكريستيان زهر. منصّة إبداعيّة مستوحاة من الظروف الجيوسياسية والاجتماعية الصعبة التي تشهدها المنطقة (لبنان، سوريا، العراق، والشرق الأوسط بشكل عام)، حيث فقدان أحد الأعضاء أو الوظيفة المرتبطة بالعضو، أو القدرة على استعمال هذا العضو بشكل فعال، لم تعد أمراً نادر الحدوث، بل من الأمور التي نعيشها يومياً. تعيش شعوب المنطقة اليوم زمناً تحكمه الحروب الدائمة، لا بل إننا وصلنا (أو بالأحرى عدنا) إلى زمن تُنحر فيه الرقاب. من هنا، شكّلت منصّة «وضاءات» في توجهها وبرنامجها حاجة أساسيّة لإعادة محاورة الجسد والإعاقة في أطر فنيّة ولغة مختلفة. وإن كانت الحروب تستطيع بثوان أن تقضي على جسد حيّ، وتحوّله إلى أشلاء، إلا أنّها أيضاً تخلف أجساداً أخرى مع إعاقات أبديّة وترمي أصحاب هؤلاء الأجساد في مجتمعات تضيف إلى تلك الإعاقات الجسديّة حواجز نفسيّة ولوجستيّة تصبح في أغلب الأحيان العائق الأساسي أمام أي ذي حاجات خاصة للانخراط مجدداً في مجتمعه. يمكن للشخص أن يولد مع إعاقة جسديّة أو فكريّة أو يصاب بها لاحقاً في حياته، لكن هذا الشخص يصبح فقط «معاقاً» عندما لا يسمح له المجتمع استكشاف حياته في كامل إمكاناتها.
ما يميّز منصة «وضاءات» أنها لم تتبن الخطاب المباشر للجمعيات غير الحكوميّة التي تنظّم عادةً حملات توعية حول مواضيع مماثلة. لقد اختارت أن تخلق منصّة إبداعيّة يتشارك فيها أكثر من 50 فناناً ومهندساً وعالماً، بالإضافة إلى المشاركين في ورش العمل والتلاميذ وذوي الاحتياجات الخاصة. كل هؤلاء تعاونوا سوياً لتقديم أعمالهم الفنيّة وإنتاج ورش العمل. هكذا تكرّست «وضاءات» منصّة إبداعيّة واسعة الأفق، لا تتبنى هدفاً توجيهياً، بل على العكس لا تتوقف عند الإعاقة بحدّ ذاتها ولكن تتخطاها إلى الإنتاج الفنيّ والإبداعي الذي يمكن أن ينتج عن صاحبها عندما تتفكك القيود الخارجيّة والاجتماعيّة حوله. كما أنّ تنوّع الوسائط الفنيّة يحيلنا على تنوع اللغات الفنيّة التي قد تشكّل مقاربات عدة لكسر حواجز الإعاقات الجسديّة من دون التركيز على مقاربة واحدة ووحيدة.
قبيل افتتاح «وضاءات» أقامت الجمعية حفلة ليل ٢٨ تشرين الثاني (نوفمبر) في «فيلا باراديسو» لجمع التبرعات من أجل تغطية بعض تكاليف المنصّة، والعمل على تطوير مشاريع أخرى في المستقبل. أما في الافتتاح يوم الثالث من كانون الأول (ديسمبر)، فأُطلقت سلسلة المعارض وورش العمل والعروض والتجهيزات وقراءات الكتب الصوتيّة وغيرها من أشكال التعبير الفنيّ النابع من المنطق الإبداعيّ الذي أولد «وضاءات» التي امتدت حتى يوم أمس. في أحد المعارض التي حملت عنوان «ماذا لو» الذي شارك فيه أكثر من 100 تلميذ من حوالى 1200 مدرسة في لبنان بالتعاون مع وزارة التربية، طُرحت أسئلة مثل: ماذا لو كنت ضريراً، أول أصمّاً أو على كرسيّ متحرك؟ أسئلة طرحتها منصة «وضاءات» تطاول كلّاً منا. من الواضح أننا اليوم في هذا الزمن بحاجة إلى دورات جديدة ومنصّات أخرى مماثلة تقارب الجسد في مجتمعاتنا ذات الاحتياجات الخاصة أم لا. مقاربة بعيدة من الوعظ والتوجيه. مقاربة فنيّة تخلق آفاقاً جديدة تتخطى الإعاقات لتصبّ في الإبداع. تجربة مثيرة جداً للاهتمام، نتمنى أن نشهد لها دورات جديدة، وأنشطة أخرى في المستقبل لجمعيّة «بينالي بيروت للصورة».
* يمكن الاطلاع على تفاصيل المعارض وورش العمل على موقع المنصّة
albedo-platform.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق