تحت عنوان «أبجديّة لور غريب ومازن كرباج»، التقى الفنانان في «غاليري جانين ربيز» لتنفيذ ٢٦ رسماً بالحبر الصيني. بعد سلسلة تجارب مشتركة، ها هما يواصلان استكشاف إمكانيات لسيرة ذاتيّة ثنائية.
ليست التجربة الأولى التي تجمع الفنانة لور غريب بابنها مازن كرباج (1975). لكن هذه المرّة، قررا الالتقاء وكلّ بريشته لتنفيذ ٢٦ رسماً بالحبر الصيني حيث يواصلان استكشاف إمكانيات لسيرة ذاتيّة ثنائية. ما يميّز تلك الأعمال تقنياً هذه المرة أنها نفّذت بأربع أيادٍ. انطلق التعاون بين الفنانين عبر رسوم الحرب في صيف ٢٠٠٦، ثم نفذا بورتريهاً ذاتياً مزدوجاً بعنوان «أنت وأنا والبابيي بان» عام ٢٠٠٨، ثم المعرض الذي حمل العنوان نفسه في ٢٠١٠ والقصة المصوّرة «غداً لن يأتي» عام ٢٠١٤. أمّا اليوم، فيخوضان تجربة جديدة تحمل عنوان «أبجديّة لور غريب ومازن كرباج» تحتضنها «غاليري جانين ربيز». يحمل المعرض ذلك العنوان، حيث تتوزع اللوحات الـ٢٦ على تسلسل أحرف الأبجدية اللاتينية، وتبدأ بحرف الألف بلوحة تحمل اسم الزوج والأب «أنطوان» نسبة إلى الممثل أنطوان كرباج.
في تلك اللوحة الأولى، تشترك الزوجة والابن في رسم أنطوان كرباج وشخصياته المسرحيّة وبالأخص تلك التي اشتهر بها مع الرحابنة إلى جانب فيروز، فيما تتوسط رأس اللوحة عبارة «ملك ملوك المسرح». بعدها، تتوزع اللوحات على عناوين مختلفة تستمد تسلسلها من أحرف الأبجديّة اللاتينيّة: قناع، شبح، الله، الزمن، الشيطان، لبنان...
في كل لوحة، تمتزج خطوط لور بمازن. تتداخل الرسومات والأشكال والأحرف والكلمات، بحثاً عن تمثيلين يجتمعان سويّة لتأليف لوحات مفتوحة على طرح الأسئلة لا تقديم الإجابات. يقتحم الرسامان ــ كلٌّ بأسلوبه ـــ خطوط الآخر، فتنجلي الحدود بينهما ضمن إطار الرسمة الواحدة كي تعيد تشكيل قراءة ثنائية لكلمة واحدة. ضمن تلك القراءة الثنائيّة ورغم قدرة المشاهد على تمييز أسلوب لور غريب عن أسلوب مازن كرباج في معظم الأحيان، إلا أنّ ذلك التمييز يصبح باطلاً أمام تشابك الأفكار ضمن اللوحة ذاتها وتناقضها لتصبّ بكليّتها في عمل لا حدود له. هكذا، تصبح غير مجديةٍ معرفة هويّة كلّ خطّ، بل إن الفنانين يدعوان المشاهد إلى الولوج في تلك الرحلة الاستكشافيّة ضمن طبقات المعاني المتوافرة في رحلتهما الذاتيّة.
لقاء جميل يجمع خطّ لور غريب (١٩٣١) بخطّ مازن كرباج (١٩٧٥)، خصوصاً أنه قبل اجتماعهما سويّة في الرسم، كوّن كلٌّ منهما شخصيّة فنيّة ذات هويّة واضحة، لا بل صارخة الملامح. ذلك اللقاء بين الأسلوبين يؤمن لتلك التجربة مساحة خلق واسعة لا تخلو من التوتر الذي يولّد مساحات اكتشاف أعمق في كلّ لوحة. فكيف لو كان ذلك اللقاء يجمع أمّاً وابنها على مساحة ورقة واحدة؟ ومن يعرف لور ومازن عن كثب، يعلم أن علاقتهما ليست كلاسيكيّة بل متجددة، تظهر ملامحها في التعاون المستمر والمتطور بينهما.
في إحدى اللوحات التي تحمل عنوان «حشيش» تنتشي الشخصيات رسماً، حيث يقدّم الفنانان في أسفل اللوحة تقنيّة لفّ سيجارة حشيش ضخمة مع أربعة فيلترات. أمّا «الله»، فيظهر كائناً أسطورياً بعين واحدة كبيرة مليئة بالوجوه، وتستقر فوق جسد طفولي ذي فم كبير مبتسم. وفي «ويسكي»، تمتزج العيون بزجاجة كأس مليئة بوجوه أناس، ورواية عن أول كلمة وأول قطرة ويسكي، وحانة تقدّم آخر كأس. أما «الزمن»، فحلزونة تدور في فلكها وجوه ونصوص كأنها تخنق كلّ من فيها أو تعيد بعثها. هكذا ضمن رحلة أحرف الأبجديّة تلك، يأخذنا الفنانان في كلّ لوحة في رحلة تيه بين التفاصيل والروايات التي جمعت لور بمازن، وأصبحت اليوم حبراً على ورق يكتبان بها أبجديّة علاقتهما وأبجديّة الحياة.
* معرض «أبجديّة لور غريب ومازن كرباج»: حتى ٣ نيسان (أبريل) ــ
«غاليري جانين ربيز» (الروشة – بيروت) ـ للاستعلام: 01/868290
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق