أساور ندى زَينة مشغولة بالحبّ




لمن يرغب في تقديم مجوهرات كهدية قيّمة وشخصية خلال الأعياد، لا بد من أن يقصد صالة عرض «نون زين». عقود، وأساور، وخواتم، وزينة للبيت جميلة ومميزة. أما التفصيل الأهم، فإنها في متناول الجميع. درست ندى زَينة الهندسة المعمارية في «الجامعة الأميركية في بيروت» حيث صممت لاحقاً متحف الآثار، ثاني أكبر متحف في لبنان بعد المتحف الوطني، ومتحف الصابون في صيدا. أما رواد المسرح اللبناني الذين لم تسنح لهم الفرصة للتعرف على مجوهرات «نون زين»، فلا بد من أنّهم يذكرون سينوغرافيا مسرحية «طقوس الإشارات والتحولات» لنضال الأشقر، والمشربية الكبيرة التي توسطت المسرح. تلك السينوغرافيا وأعمال أخرى لأولى مسرحيات لينا أبيض، صممتها ندى زينة.

ذلك الحب للفن والعمل الحرفي قادها منذ 20 عاماً إلى التخلي عن مسيرتها المعمارية والانطلاق في تصميم المجوهرات وتنفيذها. البداية كانت مع حياكة النحاس مستعينة بطريقة «الكروشيه». تقنية مميزة ما زالت تستعملها حتى اليوم، فيما كان أولادها يدرسون بالقرب منها. ثم أدخلت في عملها الطين والفخار وتلبيسه أوراق الذهب. تطور المشروع ومعه شغفها لتصميم المجوهرات، إلى أن افتتحت صالة عرض عام ٢٠٠٤ في منطقة التباريس (شارع سرسق).
حين بدأت العمل في المجوهرات، كانت التصاميم المتوافرة في السوق تنحصر بمعادن الذهب والفضة. لذلك قررت أن تستعمل النحاس المغطس بالذهب مع الأحجار نصف الكريمة بسبب طواعية النحاس وخفته، وإمكانية صنع مجوهرات كبيرة الحجم من دون أن تصبح ثقيلة الوزن.


أضف إلى ذلك أنّ هذا يتيح لها تصميم أعمال بأسعار في متناول الجميع نسبة إلى الأسعار المطروحة في سوق المجوهرات. تتعاون ندى زَينة مع حرفيين لبنانيين لتنفيذ مجوهراتها في لبنان، مستعينة بالطريقة التقليدية لقطع وضرب النحاس يدوياً قبل تغطيسه في الذهب. ولبعض التصاميم الدقيقة، تلجأ إلى القطع باللايزر. في تصاميمها الكثير من الأشكال الهندسية البسيطة، وتستوحي أيضاً من المجوهرات التراثية والإثنية، من الثقافات البدوية والهندية والمصرية والشامية التي تعيد تصميمها بأسلوبها الخاص والمعاصر. هكذا تقدم زَينة كل عام تصميماً خاصاً للمتحف الوطني مستوحىً من المجوهرات الأثرية المعروضة في المتحف، لتباع في متجره، بالإضافة إلى التصاميم العديدة والمتنوعة المتوافرة في صالتها وفي صالة «الشرق ٤٩٩». تشكل الطبيعة مصدر إلهام لها، فالمجموعة الجديدة الخاصة بالأعياد التي أطلقتها أخيراً في صالة العرض مستوحاة من أغصان الأشجار، بالإضافة إلى مجموعة صغيرة تتخذ من العيون المضادة للحسد موضوعاً لها. إلى جانب تلك المجموعة الجديدة والقديمة، تتوافر في الصالة بعض الطاولات الصغيرة من تصميمها أيضاً، وزينة للبيوت مؤلفة من وجوه نحاسية تتدلى من رقبتها كميّة من العقود.

*تنتظركم ندى زَينة في صالتها منذ الليلة استثنائياً، حتى الساعة التاسعة مساءً خلال فترة ما قبل العيد.




هايغ آيفازيان: تاريخ يُصنع في برهة أو... أكثر



صعود الأمم وهبوطها والوقت الفاصل بينهما... تيمة تشغل الفنان اللبناني في معرضه «الهروب» المقام في «غاليري صفير زملر» في هامبورغ: تاريخ يمتدّ من بوش الأب حتى أوباما، مروراً بمايكل جوردن وزين الدين زيدان، وجغرافيا تبدأ من أميركا إلى العراق والخليج مروراً بالضواحي الفرنسية.

بدءاً ببوش الأب والابن حتى أوباما، مروراً بمايكل جوردن وزين الدين زيدان، وجغرافيا تمتد من أميركا حتى العراق والخليج مروراً بالضواحي الفرنسية... تاريخ يعيد رسمه هايغ آيفازيان في معرضه Fugere (الهروب) في «غاليري صفير زملر» في هامبورغ. ينقسم المعرض إلى ثلاث غرف حيث تتوزع الأعمال بين منحوتات ومونتاج صور ورسم وفيديو. في الغرفة الأولى، يتكون العمل الأبرز من أربعة تماثيل برونزية صغيرة، ومرآة، ورخام، وفيديو. وفيما يرتفع تمثال لمايكل جوردن في شيكاغو، تم إنزال تمثال لصدام حسين في بغداد. لم يبق من الأخير سوى القاعدة وأقدام الرجل. تمثال أعاد آيفازيان صنعه بحجم مصغّر، وإلى جانبه تمثال آخر يظهر قاعدة تمثال جوردن من دون الأخير. إلى جانبه تمثال ثالث يظهر فردتي حذاء رياضي Air Jordan. صنع الأول عام ١٩٩٢، والثاني عام ٢٠٠٨. في المقابل، هناك تمثال رابع يجسّد يدي الصحافي العراقي منتظر الزيدي وهو يرمي الحذاء الأول ثم الثاني. في الغرفة ذاتها، مرآة على الحائط كتب عليها نص للزيدي: «إنهم يعلمون إن خرجت الشمس سوف يذوبون كتماثيل من الشمع، فحفاظاً على صلابتهم رغبوا في تمديد وجودهم في الظلّ».
على رخام قبالتها، نص آخر بالإنكليزية كُتب عند أسفل تمثال جوردن في شيكاغو هو: «في تلك اللحظة علمت، بكل تأكيد ووضوح، أنني كنت أشهد الكمال. وقف قبالتنا معلّقاً فوق الأرض، حرّ من جميع القوانين مثل عمل فنّي، وعلمت، بذات التأكيد والوضوح، أن الحياة ليست عملاً فنياً، وأن تلك اللحظة لا يمكنها أن تدوم». نصّ مأخوذ من فيلم لروبرت ريدفورد. وفي الزاوية، شاشة صغيرة تعرض فيلماً من يوتيوب يظهر جنوداً أميركيين في العراق يحاولون كسب مودة الأطفال عبر إهدائهم طابات كرة قدم.

في عمله هذا، يبلور آيفازيان بحثه الطويل الذي بدأه عام ٢٠٠٩، لينتج تلك التماثيل الأربعة وما يحيط بها. عمل يتخطى جمع المعلومات وسردها إلى اقتراح حوار بين لحظات تاريخية تطرح أسئلة حول قصة صعود وهبوط الأمم التي يفلت فيها الوقت من القياس. يتساءل آيفازيان في عمله إن كان الوقت الذي فصل بين رمي الحذاء الأول والحذاء الثاني، يساوي الوقت الذي فصل بين صنع Air Jordan عام ١٩٩٢، والثاني عام ٢٠٠٨؟ في ١٩٩٢، انتهت حرب الخليج الأولى، ومعها ولاية جورج بوش الأب. كما استقبلت برشلونة أول دورة ألعاب أولمبية بعد سقوط الإتحاد السوفياتي، وسمح للمرة الأولى بمشاركة لاعبين محترفين في لعبة كرة السلة. وقتها، ألفت أميركا «فريق الأحلام» مع مايكل جوردن وآخرين، مما أدى إلى فوز الفريق الأميركي بالميدالية الذهبية بفارق شاسع في المستوى نسبة إلى الفرق الأخرى المشاركة. سقوط الاتحاد السوفياتي، حرب الخليج الأولى، فوز «فريق الأحلام» الكاسح، تمثال لمايكل جوردن في شيكاغو، واتفاق سياسي مع صدام حسين في العراق. لكن كما يذكر النص على الرخام (علمت أن الحياة ليست عملاً فنياً، وأن تلك اللحظة لا يمكنها أن تدوم)، لم تفز أميركا بالميدالية الذهبية ثانية حتى عام ٢٠٠٨، مع فريق عرف بـ«فريق الترميم». ترميم شهد أيضاً تسليم بوش الرئاسة إلى أوباما. خلال تلك الفترة، تم اجتياح العراق، وهدم تمثال صدام حسين، ثم إعدامه. فترة شهدت تخبط أميركا في الشرق الأوسط، حتى عودة الميدالية الذهبية عام ٢٠٠٨ مع وصول أوباما إلى الرئاسة. في العام نفسه، ودّع الزيدي بوش بفردة حذائه الأولى «هذه قبلة الوداع من الشعب العراقي أيها الكلب»، وانتقم في الثانية «وهذه من الأرامل والأيتام والأشخاص الذين قتلتهم في العراق». الزمن الذي فصل بين رمي الفردة الأولى والثانية، نهضت فيه الأمة العربية ثم سقطت، لأنه كما قال الزيدي في النص على المرآة إنّ الزعماء العرب «رغبوا في تمديد وجودهم في الظلّ» في الفساد. مرآة ينعكس فيها تاريخ العرب في علاقتهم مع أميركا. وفي الزاوية على شاشة صغيرة، فيما كان الزعماء يتممون صفقات البترول، أرسل جنود أميركيون ليهدوا طابات لأطفال العراق.
في هذا العمل، تخطى آيفازيان فعل جمع المعلومات وتشبيكها إلى تحويلها أعمالاً فنية اتخذت أشكالاً مختلفة، تبقى شاهدة على تاريخ امتد منذ سقوط الاتحاد السوفياتي حتى اليوم. تاريخ تتوسع فيه أميركا وتثبت سيطرتها وتزرع تماثيل لمايكل جوردن في الساحات، لكنه تاريخ تتخلله ثغر زمنية تمتد من لحظة رمى فيها الزيدي الفردة الأولى حتى رميه الثانية. زمن قد يقاس بثوان أو بسنوات.
انطلاقاً من اهتمام آيفازيان بفضح العلاقة بين الرياضة والسلطة، رسم الإضاءة العملاقة التي تنصب في الملاعب الرياضية في أربع لوحات. الشركات الأمنية التي يوكل إليها حفظ أمن وإنارة الملاعب الرياضية، هي ذاتها التي توكل إليها السجون والمعتقلات. لذلك في اللوحات، لا نرى الحدث المضاء، بل تصبح الإضاءة هي المشهد بحد ذاته. معرض «صفير زملر» في هامبورغ، يصب في عمل متواصل انطلق عام ٢٠٠٩ تحت عنوان «الهروب (سلسلة من لحظات أوليمبية)». في بينالي الشارقة (٢٠٠٩)، قدم آيفازيان أول معرض من هذه السلسلة، ثم محاضرة أدائية بعنوان «ستّة دروس للرامي: مشروع كلينت ايستوود الـ12».

كم أنت عظيم يا ابن الصحراء

في الغرفة الثالثة من معرض «الهروب»، عرض هايغ آيفازيان الجزء الأول (٢٦ د.) من فيديو «كم أنت عظيم يا ابن الصحراء!» الذي ينوي تطويره مستقبلاً ليصبح فيلماً طويلاً. ينطلق هنا من حادثة نطح اللاعب الفرنسي زين الدين زيدان للاعب الإيطالي ماتيرازي ضمن نهائي «مونديال» ٢٠٠٦، قارئاً في فعل زيدان فعلاً يشبه تفجير السيارات أو إشعالها، مثلما فعل شباب الضواحي الفرنسية في ما عرف بأعمال شغب عام ٢٠٠٥. علماً أن زيدان أتى أيضاً من إحدى الضواحي الفرنسية، ولم تكن ردة فعله يومها إلا ثأراً لشرفه وكرامته إثر نعته بـ«ابن عاهرة إرهابية»، ومثلما ثأر الشباب الفرنسي لتعرضه للعنصرية ووصفه بالحثالة. كأنّ زيدان تحوّل في ذلك العفل من اللاعب الأغلى في فرنسا إلى رمز للرأسمالي التائب والثائر لكرامته ضد العنصرية. من زيدان، ينطلق هايغ آيفازيان إلى الحوادث التي عمت باريس والضواحي، ملقياً الضوء على تلك العلاقة الشائكة بين الشباب والشرطة، وأسئلة الهوية والعنصرية التي طرحتها تلك الأزمة في فرنسا.
Fugere لهايغ آيفازيان: حتى 5 كانون الثاني (يناير) ــ «غاليري صفير زملر»، هامبورغ، ألمانيا 






لميا أبي اللمع قنّاصة «أصحاب المقامات»


حين تزورون معرضها في «غاليري تانيت»، تفقدوا ما وضعه سمير جعجع على سريره وانظروا إلى يد عمر كرامي كم هي معبّرة، وإلامَ تنظر جيلبيرت زوين، وكيف جلس أمين الجميل، ومن يقف في ظل سليمان فرنجية، وماذا خلف جميل السيد، وميشال المر وتمام سلام ومروان حماده وبهية وسعد الحريري وميشال عون.
كيف يمكن لفنانة أن تختصر تاريخ إنسان في صورة واحدة؟ لميا ماريا أبي اللمع استطاعت ذلك في معرضها «أصحاب المقامات» في «غاليري تانيت». داخل المعرض رسمت خطين عريضين بالأحمر واستبدلت الأرزة بصور فوتوغرافية، بورتريهات لأصحاب «المقامات» من سياسيي لبنان ورجال الدين. اختارت الفنانة الشكل المربع لصور تتوسط كل واحدة منها شخصية شاهدناها مراراً على الشاشات، أو في الحملات الانتخابية. لكن هنا صورة جديدة لشخصية نألفها. صورة جمّدت فيها الفنانة لحظة واحدة من تاريخ شخصياتها، ليتجلى في الصورة التاريخ الكامل لكلٍّ منها. مدهشٌ العري الذي استطاعت التقاطه، ومدهش أكثر أنها بالكاد تعرّف عن شخصيات صورها. لا مجال للتوقف عند تحليل الصور هنا، لكن حين تزورون المعرض، تفقدوا ما وضعه سمير جعجع على سريره وبمَ استبدل جدران غرفة نومه. انظروا إلى يد عمر كرامي كم هي معبّرة، وإلامَ تنظر جيلبيرت زوين، وكيف جلس أمين الجميل، ومن يقف في ظل سليمان فرنجية، وماذا خلف جميل السيد، وميشال المر وتمام سلام ومروان حماده وبهية وسعد الحريري وميشال عون.

النظرة، تموضع الجسد، حركة اليد، الأثاث، وأصغر التفاصيل في كل صورة تقول الكثير عن كلّ مَن أسلم ذاته لعدسة كاميرا ربما لم يعلم حينها أنها تستطيع أن تقرأ علاقته بذاته وبالسلطة وبمحيطه كما تقرأ كتاباً مفتوحاً. أما عن رجال الدين ورئيس الجمهورية، فالصورة أبلغ من الكلمة الخاضعة للرقابة. كم هي جميلة وحقيقية الصورة الفوتوغرافية التي عرفت أن تقدم تحية للرئيسين سليم الحص وحسين الحسيني.


سيرة
ولدت لميا ماريا أبي اللمع في الأشرفية ضمن عائلة سياسية، وهاجرت إلى فرنسا خلال الحرب الأهلية ومن ثم إلى أميركا حيث درست الحقوق والقانون. لكنها فجأة قررت التخلي عن إرث العائلة السياسي والتوجه إلى التصوير الفوتوغرافي. هكذا، ابتعدت عن الحياة السياسية في لبنان واللاعبين فيها. سمعت مراراً ببعض أسماء السياسيين ورجال الدين في لبنان، ولكنها لم تتابع يوماً سِيَرهم الذاتية أو السياسية. أما عدستها فكأنها حفظت تاريخهم عن ظهر قلب. استفادت الفنانة من اسم والدها لتدخل بعض البيوت، ثم راح بعض السياسيين من الذين صورتهم يسهّلون لها الوصول إلى آخرين. أما مَن تمنعّ منهم، فقد هددته ممازحة بأنه سوف يكون الوحيد الذي لن يرد في كتابها عن «مقامات» لبنان، قبل أن يعود ويرضخ لعدستها بسعادة.


بحثاً عن الحميمية
يشكّل معرض «أصحاب المقامات» خطوة أولى ستتبلور صوب إنتاج كتاب يتضمن الصور المعروضة وغيرها أيضاً. فكرة المشروع بدأت قبل خمس سنوات، واستغرقت عمليات التصوير مدة شهرين تم تقسيمها إلى ثلاث مراحل. خلال المرحلة الأخيرة التي سبقت تجهيز المعرض، كانت الفنانة لميا ماريا أبي اللمع تلتقط صورتين في اليوم الواحد. في كل مرة، كان عليها أن تتخطى الموظفين والمستشارين والحراس الأمنيين، لتصل إلى حميمية صورتها مع السياسي الواقف أمام عدستها. تجول في غرف المنزل، تتفقد التفاصيل، وبسرعة تقرر زاوية الكاميرا ومكان الشخصية في صورتها، طالبة من «البودي غارد» تركيب الإضاءة بما أنها كانت تعمل وحدها من دون مساعدين. والنتيجة كتاب مفتوح يسرد تاريخ كل من وقف أمام عدستها.


«أصحاب المقامات» للميا ماريا أبي اللمع: حتى 27 كانون الثاني (يناير) ــ «غاليري تانيت» (شارع أرمينيا، مار مخايل) للاستعلام: 76/557662




«دار قنبز»: الابتكار البصري امتداداً للسان الفصيح

أينما حلّت «دار قنبز»، تجد نكهة خاصة وشغفاً مختلفاً للقراءة والكتب، ليس فقط بسبب إصداراتها المميزة، لكن أيضاً بفضل أهل الدار. في الزاوية المخصّصة لـ«دار قنبز» في معرض بيروت للكتاب، تنده سيفين عريس لشريكتها في الدار «نادين هناك مَن يسأل أين الكتب؟». سيفين عريس ونادين توما كانت قد جهزتا زاوية الدار على طريقتهما كالعادة. على الجدران، فرشتا صوراً كبيرة للعبة جديدة هي «حيوانات تلعب مع الألف باء تاء». وعلى مكعبات موزعة هنا وهناك، نشرتا كتب الدار المتعددة الأحجام والأشكال والألوان، وطبعاً ليس ضمن الطريقة التقليدية المتبعة في صف الكتب على الرفوف. هكذا توجهت نادين إلى الصبيتين المتسائلتين: «كل ما تريانه هنا هو كتب، ادخلا والقيا نظرة». اقتربت إحدى الصبيتين قائلةً: «عفواً. اعتقدت أنها لوحات، ولم أنتبه أنها كتب». هكذا هي الكتب في «دار قنبز» متعة للعين، تلتقط المتلصص عليها قبل أن يفكر حتى في لمسها. لطالما تعاونت الدار مع تشكيليين في لبنان مثل: غسان حلواني، جان مارك نحاس، فرح فيّاض وجورج مهيّا. كما أنّ للتصميم والتنفيذ والطبع روايات أخرى، تبدأ باختيار الورق المناسب الذي لا يكون متوافراً عادةً في بيروت، فيتم استيراده، واختيار شكل الكتاب وحجمه وطريقة فتحه من دون أن ننسى التفتيش كل مرة عن خط عربي جديد أسهل وأمتع للقراءة. هكذا أحاطت نادين توما الصبيتين بشغفها وراحت تسرد قصة كل كتاب معروض. وهنا لا بد من التوقف عند «حيوانات تلعب مع الألف باء تاء». إنها علبة تحتوي على ٥٦ بطاقة. على البطاقات الـ ٢٨ الأولى، تتوزّع أحرف الأبجدية العربية، وتحت كل حرف كتبت جملة تبدأ جميع كلماتها بالحرف المذكور، ويتخللها ذكر لحيوان. مثلاً: «صاد. صوص على الصاروخ يصوفر تحت الصفصافة». تقول توما إنّها قصدت تأليف جمل بلغة عربية فصيحة وسهلة، يستطيع الطفل أن يقرأها بالفصحى أو بالعامية. خلف كل بطاقة، تجد رسماً مؤلفاً من الحرف ذاته متكرراً ومشكلاً «سجادة الحرف». أما على البطاقات الـ ٢٨ الأخرى، فتتوزع الأحرف منفردة بخط كبير، مع لفظها بخط أصغر إلى جانبها، وخلف كل حرف نجد رسمة الجملة المكتوبة على البطاقات الأولى أي: رسمة صوص واقف على صاروخ يصوفر تحت شجرة الصفصافة. بذلك يتعرف الأولاد إلى أحرف الأبجدية، ويتعلّمون كلمات جديدة. اللعبة التي ألّفتها نادين توما، وأنجزت رسوماتها هبة فران، تم اختيار خط عربي جديد لها من تصميم «٢٩ حرف». من جهة أخرى، أثار فضول أحد الزوار إنتاجاً آخر للدار يدعى «حائط الهواء». على الغلاف الخلفي كتب «٧ حيطان. ٧ قصص. ٧ رسومات». القصص هنا مفصولة، وكل واحدة ثُنيت ثلاث ثنيات. عندما تفتحها، تظهر الرسمة كاملة لجان مارك نحاس. وفي الداخل تقرأ قصة نادين توما. عندما لاحظت توما اهتمام ذلك الرجل بالكتاب، سحبت من الغلاف القصة الأولى وقالت له: «لن أقول لك سوى أنّه ليس كتاباً للأطفال، وسوف أتركك تقرأ «الحائط الأول» ثم أعود إليك». كانت توما تعلم أنّ ذلك الزائر الفضولي لن يتوقف عند الجدار الأول، بل سيسحب جداراً خلف جدار إلى أن يقرر أنه سيضيفه إلى سلة مقتنياته، وهكذا حصل!


الجدار الأول ”أمي رفضتني. لم تلمس بطنها لتقول حبّها لي، لمسته لتسأل الدّنيا لماذا أنا فيها وهي حولي. هي حائطي وأنا في داخلها. أحتمي بها منها. لا أريد الخروج. سمعت بكاء أمّي. سمعت صراخ أبي. سمعت صراخ أمّي. سمعت تأنيب جدّتي. سمعت حب جدّي. سمعت عبطة عمتّي. سمعت العصفور والكلب والهواء والمطر. ولم أسمع حبّ أمي“.   






علي شرّي يقيس زلازل لبنان... الآتية


يشارك علي شري بفيلم قصير هو «القلق» (The Disquiet) يُعرض اليوم ضمن فعاليات «مهرجان دبي السينمائي الدولي». فيلم جديد مدعوم إنتاجياً من «الصندوق العربي للثقافة والفنون - آفاق» كان قد قدمه الفنان اللبناني في «مهرجان تورونتو» في أيلول (سبتمبر) الماضي. إنه شريط عن الكارثة، حيث يقودنا شرّي في البداية إلى تاريخ لبنان المليء بالزلازل والهزات الأرضية. يعيد سرد تاريخ بلد شهد دمار عدد كبير من مناطقه ومدنه إثر زلازل ضخمة ضربته على مرّ السنين.
زلازل سبّبت كوارث في الماضي، وتعد بكوارث أخرى في المستقبل، فموقع لبنان الجغرافي يبقيه معرّضاً لزلازل جديدة وربما لتسونامي يطمر مدنه الساحلية بأسرها يوماً. أمام كوارث لا يمكن وصفها أو حصرها، قرر علي شرّي أن يدع لجهاز قياس الزلازل مساحة كبيرة في فيلمه، مساحة لكتابة نص الكارثة. بين مشاهد الدمار من الأرشيف ومشاهد للمخرج (مخفي خلف الكاميرا) يهيم في الأرض بحثاً عن آثار الكارثة، تترافق الصورة في الفيلم مع نصوص يرويها شرّي من كتابته وسحر مندور، إضافةً إلى نصوص لماثيو غومبيرت، وموريس بلانشو.
يقدم «القلق» الكارثة ضمن قالب علمي يحاول أن يحصرها لعله يتمكن من فهمها. أمام عجز اللغة عن وصف هول الكارثة، تصبح الخطوط التي يرسمها جهاز قياس الزلازل الأبلغ في التعبير عنها، أو على الأقل في رسمها وهي في طور الحدوث. يفتتح «القلق» على مشهد نهر ذي مياه حمراء. يعيدنا ذلك المشهد إلى لحظة تولى فيها أفراد تلوين مياه نهر بيروت بمادة حمراء كتنبيه لكمية الدماء المراقة في سوريا في كل يوم، لكن في ظل الحروب والمصائب التي تعيشها المنطقة خلال السنوات الأخيرة، يختار علي شرّي أن لا يتكلم في السياسة، بل أن يذكرنا بأننا في لبنان نعيش على خط زلازل قد يتحرك في أي لحظة ويبتلعنا جميعاً. لا يتحدث عن الكوارث التي تسببها الحروب والمجازر والقتل، بل يتحدث عن كارثة أكبر، لا تميز بين طرف سياسي أو قضية أو حق أو باطل. فعل لا يلغي كارثة الحروب، بل يدفعنا إلى مقاربتها من زاوية مختلفة. علي شرّي كان قد شارك أخيراً في بينالي Videobrasil في ساو باولو، حيث عرض تجهيزه الفني «أنابيب الأحلام»، وحاز إحدى جوائز المهرجان. أما «فيديو برازيل» المخصص لعرض أعمال فنانين من البلدان الجنوبية في الكرة الأرضية، فقد انطلق في أوائل تشرين الثاني (نوفمبر)، ويستمر حتى شباط (فبراير) ٢٠١٤. إلى جانب علي شرّي، يشارك كل من أكرم زعتري، وهايغ أيفازيان، وكاتب هذه السطور من لبنان، ومحمود خالد من مصر.


زينة أبي راشد: «أتذكّر» بيروت في الحرب والسلم



يوم السبت 7 كانون الأول (ديسمبر) يُختتم معرض زينة أبي راشد «باريس ليست جزيرة مهجورة» في «المعهد الفرنسي في بيروت». يقدم المعرض إستعادة لأعمال المؤلفة ورسامة القصص المصوّرة اللبنانية، تمتد من عام ٢٠٠٥ حتى عام ٢٠١٣، من كتب وملصقات وبطاقات بريدية، بالإضافة إلى فيديو «خروف» وبعض الرسومات من كتاب جديد في طور التحضير.

تخبرنا زينة أبي راشد عن مشوارها مع القصص المصورة. البداية كانت مع أول مشوار إلى «بيروت الغربية». خلال الحرب الأهلية، عاشت عند منطقة التماس في «بيروت الشرقية»، في شارع يوسف السمعاني، منطقة التباريس. الفنانة المولودة عام ١٩٨١، لم تكن قد تعرّفت إلى القسم الثاني من بيروت، إلى أن قرر أهلها زيارة شارع الحمرا وعين المريسة مع إنتهاء الحرب. «يومها شعرت كأنني سافرت إلى بلد آخر!».

ذلك المشوار الأول تبعته مشاوير كثيرة، وفضول للتعرف أكثر إلى المدينة بأكملها، بغربها وشرقها، والتكلم مع ناسها، لتبدأ أسئلة الهوية والذاكرة تشغل الفنانة في أعمالها المستقبلية. حينها، لم تكن قد قررت الغوص في عالم القصص المصوّرة، لكن إهتمامها بالرسم الثنائي الأبعاد دفعها إلى التسجل في قسم الإعلان في جامعة الـALBA، إلى أن أنتجت أول كتابين لها في لبنان: «[بيروت] كتارسيس»، ومن ثم «٣٨، شارع يوسف السمعاني». في «[بيروت] كتارسيس»، سردت زينة ذكريات الحرب الأهلية من منظار طفلة ولدت وكبرت في ظل هذه المرحلة. إنها سيرتها الذاتية، وطفولتها التي عاشتها بين البيت وشارع صغير ينتهي عند حائط يفصل بين عالمها والمدينة حيث الحرب. في أحد الأيام، يفلت بالون هوائي من يد الطفلة ويعبر الحائط إلى الجهة الثانية. ذلك الحدث كان اليقين الأول لوجود شيء خلف الحائط في عالم تلك الطفلة. ومثلما جال «البالون الأحمر» (للمخرج الفرنسي ألبير موريس) مستكشفاً باريس، دخلت زينة مع روايتها الأولى عالم القصص المصورة، مستكشفة الذاكرة والهوية عبر سيرتها الذاتية. شارع الطفولة عاد في كتابها الثاني «38، شارع يوسف السمعاني». تحديّاً لغياب الذاكرة في بيروت وسيطرة النسيان، قررت هنا أن ترسم وتخبرنا عن تفاصيل شارعها وتعرّفنا إلى سكانه. تذكر أنّها كانت قد تعرّفت حينها إلى بعض أعمال القصص المصورة لمازن كرباج فقط، فلم تكن هناك بعد «مجلة «السمندل»، ولا مجلات قصص مصورة عربية أخرى في المدينة». والأهم أنّ غياب دار نشر متخصصة في القصص المصورة في بيروت، دفعها إلى السفر إلى باريس عام ٢٠٠٤ حيث درست في Ecole Des Arts Décoratifs وتعرفت إلى ناشرها Cambourakis الذي ما زالت تتعامل معه حتى اليوم.

خلال دراستها الجامعية في باريس، وعندما كانت تبحث ضمن أرشيف موقع «المعهد الوطني للصوت والصورة» (INA) وقعت صدفةً على ريبورتاج فرنسي مصوَّر في بيروت الحرب عام ١٩٨٤. الحشرية دفعتها إلى مشاهدة الفيديو، لتفاجأ بمشاهد تألفها من حيّها الذي سكنته في بيروت. ثم تدخل الكاميرا إلى أحد الأبنية، وراح الصحافي الفرنسي يحاور سكان المبنى المحاصرين بسبب القصف، إلى أن تسمع إمرأة تقول للكاميرا: «أعتقد أننا ما زلنا، ربما، أكثر أو أقل أمناً هنا». أما تلك السيدة فلم تكن سوى جدتها، هي التي ــ بحسب زينة ـ لم تحدثها يوماً عن الحرب كأن ذاكرتها توقفت عام ١٩٧٥. تلك الحادثة، وسماع صوت جدتها في باريس ضمن ريبورتاج مصور في ١٩٨٤، دفعاها إلى بدء العمل على كتابها الثالث «نموت، نرحل، ونعود. لعبة السنونو». أرادت زينة أبي راشد التحدث عن تفاصيل الحرب الأهلية في بيروت لأن الجميع قرر تناسيها مثلما فعلت جدتها. لكنها لم ترد أن تسرد الوقائع التاريخية والسياسية، بل أرادت ولوج عالم الأفراد الذين عايشوا تلك الحقبة وتجاربهم، وعيشهم اليومي. إنها بيروت الثمانينيات، في «شارع يوسف السمعاني» أيضاً، لكن هذه المرة في مدخل شقة على الطابق الأول. هنا اجتمع أهل البيت والجيران في الغرفة الأكثر أماناً في المبنى من القصف. تفاصيل وقصص الشخصيات داخل تلك الغرفة ستتحول في «نموت، نرحل، ونعود. لعبة السنونو» إلى قصة بيروت وأهلها. وهنا أيضاً تلجأ أبي راشد السرد من منظور الطفلة، أسلوب يسمح لها بتناول مواضيع عميقة وثقيلة ببعض السذاجة المقصودة لإعادة سرد الوقائع المريرة بأسلوب مغاير يعيد قراءتها بطريقة مختلفة عن المعهودة في سرد وقائع حرب لبنان. تقول زينة لـ «الأخبار»: «من المؤكد أنّ مكوثي في باريس خلال كتابة ورسم تلك الرواية أثر كثيراً في الأسلوب. المسافة من الحدث تساعد في هذه الحالة». التوجه إلى جمهور فرنكوفوني حتّم على الفنانة الأخذ في الإعتبار توضيح بعض المسلمات في الثقافة اللبنانية، مما دفعها إلى إعادة التفكير فيها وطريقة تقديمها، ومما منح القارئ اللبناني فرصة إعادة إستكشاف تفاصيل في حياته اليومية لا يتوقف عندها عادة. نال «نموت، نرحل، ونعود. لعبة السنونو» نجاحاً كبيراً، وأمّن لأبي راشد وجوداً مهماً على ساحة القصص المصورة، وتمت ترجمة الكتاب إلى عشر لغات، دون العربية، الأمر الذي يحزن الفنانة، رغم أنّ «دار حاتم» اللبنانية قامت أخيراً بإدراج بعض أعمال زينة أبي راشد ضمن كتب الأطفال المدرسية في لبنان. في المقابل، أدت الترجمات إلى توفير تعاون مع صحف ومجلات مثل «نيويوك تايمز» والـ «باييس» الإسبانية، والعمل على ملصقات لمهرجانات موسيقية وغيرها.
أيضاً في جامعتها في باريس، أنتجت فيديو تحريك هو «خروف» الذي تخبرنا فيه عن مشكلتها مع شعرها المجعد. يمكنكم مشاهدة الفيديو في المعرض، كما الكتاب الذي صدر مجدداً والمنبثق عن الفيلم، لكن هذه المرة قدمت الرسومات بالألوان. بعدها، أنتجت كتاب «أتذكر» الذي تسرد فيه ذكريات الطفولة عبر قصص صغيرة تبدأ دوماً بجملة «أتذكر...». إلى جانب تلك الأعمال القديمة، تقدم زينة لوحات جديدة من كتاب في مرحلة التطوير والتنفيذ. هنا تنتقل من ذكريات الحرب والطفولة، إلى المرحلة التي شهدت إنتقالها إلى فرنسا، ثم مراحل الذهاب والإياب، محافظة على أسلوب السيرة الذاتية. جميع تلك الأعمال، بالإضافة إلى تجهيز فنيّ مصمم ببطاقات بريدية وصور فوتوغرافية، وفيلم أنتجته «متروبوليس - أرتي» عن الفنانة، يمكن الإطلاع عليها في غرفة المعارض في «المعهد الفرنسي في بيروت». فرصة للتعرف إلى زينة أبي راشد وأعمالها والتمتع برسوماتها. في ختام حديثها معنا، أخبرتنا أنّها في صدد تحضير كتاب جديد، لا يضمّه في المعرض، يسرد قصة تجري في بيروت الستينيات. وهذه المرة لن تكون القصة ذاتية، بل قصة خيالية تسائل عبرها الفنانة ذلك الإفتتان بستينيات بيروت.
«باريس ليست جزيرة مهجورة» لزينة أبي راشد: حتى 7 كانون الأول (ديسمبر) ــ صالة المعارض، «المعهد الفرنسي في بيروت».
نشر في جريدة الأخبار 



Planches inédites - © Zeina Abirached





 Le jeu des Hirondelles -  © Zeina Abirached et éditions Cambourakis






موسم الهجرة إلى الشمال


شهدت الساحة الفنية المعاصرة اللبنانية أخيراً بروز جيل جديد يحاول أن يطرح أفكاره ووسائله الخاصة، في حوار مع من سبقه، أو بعيداً جداً عنه. أما «مركز بيروت للفن» فيلعب عبر معرض «عتبات» دوراً مهماً وفريداً في اكتشاف فنانين صاعدين (لبنانيين بشكل أساسي)، وتأمين مساحة العرض لهم، وتعريف الجمهور بتجاربهم.
معرض «عتبات» قائم على دعوة مفتوحة للفنانين الصاعدين، بينما يتم اختيار الفنانين المشاركين في كل دورة من خلال لجنة مستقلة تتغير كل عام، من دون أن ننسى فرصة العرض لمدة شهر ونصف في أحد أهم فضاءات الفنون المعاصرة في لبنان. وبذلك، فإنّ «عتبات» يقدم نوعاً ما صورة عن الإنتاج الفني المعاصر الشبابي في لبنان، ولكن ملاحظة استوقفت المركز هذا العام، واختتم بها مقدمة كاتالوغ «عتبات ٢٠١٣» بالجملة الآتية: «ومن باب الصدفة يعيش عدد كبير من الفنانين المشاركين خارج لبنان». ملاحظةٌ تجد صدقيّتها في أن 10 فنانين من أصل 14 وُلدوا وأقاموا أو انتقلوا للعيش أخيراً خارج لبنان. ملاحظة على بساطتها تفتح الباب أمام بعض التساؤلات التي لا بد من التوقف عندها.
أولاً، إن جولة سريعة على بيوغرافيا الفنانين المشاركين في «عتبات ٢٠١٣» تظهر أن عدداً كبيراً منهم، وخصوصاً المقيمين خارج لبنان، شاركوا سابقاً في معارض جماعية ومنفردة في لبنان كما في عواصم ثقافية مرموقة حول العالم، ما يطرح سؤالاً حول حاجتهم فعلاً إلى عتبة لدخول المكعب الأبيض. وهل على اللجنة التحكيمية مستقبلاً أن تخاطر أكثر في تقديم العتبة لفنانين لبنانيين شباب لم يسمح لهم المعدّون الفنيون ولا الغاليريات بفرصة لتقديم أعمالهم حتى في بلدهم؟ أما السؤال الثاني والأهم: لماذا أصبح معظم الفنانين الصاعدين الشباب اللبنانيين مقيمين خارج البلد؟ قد يكون لذلك أسباب كثيرة؛ منها سوء الوضع الأمني والاقتصادي، وعدم توافر الدراسات الفنية العليا في لبنان.
الأسباب غير مهمة هنا، بل النتيجة. وهنا لا نقصد طبعاً التمسك السطحي بأرض الوطن أو أي من شعارات وزارة الداخلية ومديرية الجيش التي تتحفنا بها على لافتات إعلانية تغمر الطرقات، لكننا أمام واقع يفتح الباب على احتمالات جديدة، منها كيفية تطور علاقة الفن المعاصر بالجمهور اللبناني، وبمواضيع محلية ينظر إليها من الخارج، وانحصار تفاعله مع مساحات ومؤسسات تؤمن تلك الصلة بين الخارج والداخل. قد لا تكون تلك الحالة جديدة، فمعظم فناني الجيل السابق الذين أصبحوا خارج لبنان اليوم كانوا قد انطلقوا من بيئتهم المحلية إلى الخارج، فهل نشهد حالة معاكسة حالياً؟ لسنا نحكم بإيجابية أو سلبية على تلك الحالة، لكن من المهم التوقف عندها، ومناقشتها، وخصوصاً في ظل الشرخ الموجود بين الفن المعاصر وجمهوره اللبناني الذي يكاد يقتصر على الفنانين أنفسهم وبعض المهتمين القلائل. فهل تسهم هذه المسافة بين الجمهور والفنانين في تكريس مسافة أكبر مع أعمالهم؟

«عتبات 2013»: عن الحياة والموت والكوارث الآتية

ياسمين عيد الصباغ وروزين كيري «حياة ممكنة ومتخيّلة» (٢٠١٢، صورة من تجهيز)
ككل عام، تنوّعت الأعمال في المعرض السنوي الذي يقيمه «مركز بيروت للفن». لعل أقواها تلك التي قدّمها وائل قديح، وشيرين أبو شقرا، ومهى قيس، ورندا ميرزا، وياسمين عيد الصباغ وروزين كيري. تجارب تلجأ إلى وسائط وأشكال مختلفة لتقارب الموت والمرض والحرب وقضايا أخرى راهنة.

في دورته الخامسة في «مركز بيروت للفن»، يقدّم «عتبات» أعمالاً معاصرة لفنانين لبنانيين أو يقيمون في لبنان. من أبرز هذه الأعمال «حياة ممكنة ومتخيلة» لياسمين عيد الصباغ وروزين كيري. تجهيز يسرد قصة جوسلين، وفريدا، وستيلا وغرازييلا، أربع نساء قويات ومشاكسات، أخوات من جنسية فلسطينية لبنانية عشن خلال القرن العشرين، ونفيت كل واحدة إلى مكان مختلف: بيروت، القاهرة، باريس ونيويورك. داخل غرفة مظلمة، ألقي الضوء على صور علِّقت ضمن إطارات صغيرة و«فينتيج» على الحائط. في العمق، نرى آلتين لشرائح الصور تلقيان على الحائط القريب أمامهما صوراً نستنتج أنها تعود إلى النسوة الأربع في صباهن. أما الشريط الصوتي، فيتوزّع على مكبرات الصوت الأربعة في الغرفة، ويتخلله سرد لحيوات النساء بصوتهن، مع بعض المقاطع الموسيقية. يتميز «حياة ممكنة ومتخيلة» بأنه يخلق عالماً سردياً توزعت عناصره داخل غرفة العرض لتعود وتترابط في خيال المشاهد على طريقته. صور جامدة وأخرى متحركة وشريط صوتي... عناصر ثلاثة مفصولة بعضها عن بعض، لكنها تلتقي عند المشاهد/ المستمع. لعل «حياة ممكنة ومتخيلة» أفضل ما يطرح تلك العلاقة المتساوية بين الصوت والصورة في الأعمال الفنية. القصة السردية المرتكزة على الوقائع والممزوجة بالخيال تلقى صداها في زواية الغرفة، وتتخذ أشكالاً عدة من الصورة الثابتة إلى المتحركة فالصوت، حتى فضاء الغرفة المظلم يتحول إلى عوالم تسكنه قصص الشخصيات الأربع. في أحد الحوارات، تقول إحدى النساء الأربع وهي تنظر إلى صورة فوتوغرافية: «لا لم أكن في ذلك العرس، ولا حتى أبي ولا أختي. تلك ليست ذكريات. إنه توليف». تلك الجملة تختصر عمل ياسمين عيد الصباغ وروزين كيري. صحيح أنّهما لجأتا إلى أرشيف وقصص قديمة، لكن عبر هذا الطرح التوليفي. لم تسردا ذكريات، بل خلقتا عوالم جديدة أصبحت ملك المشاهد/ المستمع.
في غرفة ثانية، تعرض رندا ميرزا مجموعة بورتريهات بعنوان «حول الجنس والجندر». في صورها الفوتوغرافية، مزجت ميرزا أجساداً عارية ليكتسب كل بورتريه جسداً جديداً يمتزج فيه الذكر والأنثى. ما يميز عمل الفنانة هو نجاحها في خلق أجساد تفرض ذاتها على المشاهد بحضور يتخطى التحديد التنميطي للمساحة بين الجنس والجندر. تختلط المساحتان هنا. إنّها دعوة لرؤية أجسادنا من معايير مختلفة. سؤال الهوية الجنسية يتخذ أشكالاً وأبعاداً مختلفة. على أحد جدران الغرفة، تركت رندا ثقباً يمكنك أن تختلس منه النظر إلى امرأتين مستلقيتين عاريتين على كنبة في غرفة جلوس.
أما مهى قيس، فتعرض فيديو «كأنها برلين». لقطتان لتفصيل في الشارع، ثم تثبت الكاميرا أمام نافذة، وستارة تتطاير مع الهواء. خيال امرأة يظهر على الستارة، ثم يحاول الاختفاء، لكنه يبقى عالقاً برهة قبل أن ينسحب كلياً. صفارة إنذار تدوّي في أرجاء المدينة. «ما زالت صفارات الإنذار تدوّي في أرجاء مدينة باريس مرة كل شهر عند الظهر لمدة دقيقة ونصف، مطلقةً الصوت نفسه الذي كان يدوّي خلال الحرب العالمية الثانية للتحذير من الخطر». أما المخرجة فتسرد نصاً بصوتها عن رجل ينتظر من يقفل القبر عليه. في فيديو قيس، عناصر قليلة بسيطة تجتمع لتخلق مساحة كارثية. مساحة بليغة في وصف الكارثة من دون ذكرها، ترسم زمن نهاية معلقة لا يحين فيها موعد النهاية.
من جهتها، تحتفي شيرين أبو شقرا بجسدها حيث ظهر السرطان الخبيث، وحيث اكتشفت الحياة والموت وقضت على المرض. عبر تجهيز من شاشتين كبيرتين متقابلتين، وأخرى صغيرة على الجدار الثالث المغطى برقعة قماش شفافة يعرض عليها فيديو رابع، تقدم الفنانة اللبنانية عملها الطقسي «ما لي فتنت بخبثك الفتاك». إنها أشبه بدعوة إلى رحلة في جسدها الذي حولته إلى معبد. تجدها واقفة عارية كتمثال إلهي، تقصّ شعرها بيديها، وتضعه أمامها قرباناً للحياة والموت. فوق فعل التضحية ذاك، يتمايل الفيديو على القماش الشفاف مضيفاً هشاشة على جبروت ازدواجية الموت والحياة.
أما وائل قديح في Lost and Found فيعرض جهاز كومبيوتر عليه مخزون من الحلمات التي أزيلت عن صدور نساء عرضن صورهن عاريات على مواقع التواصل الاجتماعي. بإمكان المشاهد أن يقلب الصفحات على الكومبيوتر ليلج إلى مخزون ضخم من أرشيف الحلمات مع بعض المعلومات مثل العمر والجنس والعنوان. تجهيز يحيلنا إلى مواضيع شائكة شغلت الرأي العام أخيراً مثل تظاهرات النساء العاريات من أجل قضايا سياسية واجتماعية معينة، والسياسات المتبعة من قبل مواقع التواصل الاجتماعي كفايسبوك وخصوصية الصور المنتشرة عليها وملكيتها، بالإضافة إلى مخزون المعلومات عن مستخدمي الإنترنت الذي يُجمع لأغراض استخبارية أو لإعادة طرحه في السوق كسلعة تجارية. مواضيع أثارت وما زالت الكثير من النقاش، يطرحها قديح عبر تجهيزه خارج إطارها النمطي ضمن قالب سريالي قد لا يكون أبداً بعيداً عن الحقيقة.

لجنة التحكيم
اختارت اللجنة التحكيمية في «عتبات» هذا العام 14 فناناً من بين مئة طلب، ما جعل «عتبات 2013» الأكبر دفعة حتى يومنا هذا، وفق «مركز بيروت للفن» الذي يحتضن المعرض. تألفت اللجنة هذه السنة من: غريغوري بوشاكيان، فارس شلبي، طارق أبو الفتوح، رانيا ستيفان وصوت واحد من «مركز بيروت للفن». وككل عام، تنوّعت الأعمال المقدمة في «عتبات» في استخدامها لوسائط وأشكال مختلفة. وكأيّ معرض قائم على دعوة مفتوحة، تأتي النتيجة متفاوتة في النوعية.

«عتبات»: حتى 11 كانون الثاني (يناير) المقبل ـــ «مركز بيروت للفن» ــ للاستعلام: 01/397018

أرابال لبنانياً... إنّها الحرب الأهلية

إعتمد أنطوان أشقر منهج «المسرح الفقير» في مسرحيته «رسالة حب» عن نص فرناندو أرابال، مستنداً على الممثل والنص كعنصرين وحيدين في رؤيته الإخراجية. هكذا خلا المسرح من العناصر السينوغرافية، ما عدا مكعب تحول إلى سرير في المشهد الأخير، بالإضافة إلى إستعمال شاشة عرض كفاصل بين العرض بأكمله ومشهده الأخير. عنصر أتى كغطاء لإجراء التعديلات البسيطة على الديكور وتغيير الملابس. أما في إدارة الممثل فإعتمد المخرج الطريقة الكلاسيكية الواقعية في تجسيد الشخصيات والتعبير عن إنفعالاتهم. تؤدي رلى حمادة (الأم) وجاد خاطر (الإبن) الشخصيات بتقنية وإحتراف وإحساس عالٍ.
أما في تركيبة النص، وترجمته الدراماتورجية على الخشبة، فقد نجح أشقر في صياغة إيقاعه المتصاعد وتوتراته الدرامية ولكنه أخفق ـ ربما بخيار منه ـ في إستثمار العلاقة الشائكة بين الأم وإبنها، مما أدى إلى وقوع العرض في الرتابة الدرامية في أحيان كثيرة. إن قوة نص أرابال قائمة على عدم قدرة الإبن إتهام أمه على شكوكه بأنّها كانت وراء مقتل أباه، بسبب حبه لها الذي يتخطى محبة الإبن لأمه، بل الرجل لعشيقته. تلك الإزدواجية بين الحقد والعشق التي تحكم علاقة الإبن بأمه، تشكل المفتاح الدرامي لنص أرابال الذي يجعل من علاقة إبن بوالدته مسرحاً يخاطب عبره تناقضات الحرب الأهلية، وأهوالها.

في عرض «رسالة حب»، يغوص أنطوان أشقر في علاقة الإتهام/ الدفاع لكن يمرّ لماماً على علاقة الكراهية/ العشق، مما أضعف شحنة التوتر في العلاقة، والغوص في تفاصيلها الموجعة التي تؤلم أكثر من تفاصيل الحروب الأهلية. أما الضعف الثاني في المقاربة الكلاسيكية لنص أرابال، فيكمن في غياب الصورة. في المناهج المسرحية المعاصرة وبمساعدة العناصر السينوغرافية التقليدية أو الحديثة، يسهل خلق الصور على الخشبة. أما في منهج المسرح الفقير، فعلى المخرج أن يبحث بين تركيبة أجساد الممثلين وعلاقتهم مع فضاء العرض وتدفق كلماتهم، وعناصر أخرى بسيطة بهدف خلق صور تنقل العرض من مجرد قراءة تمثيلية للنص إلى عمل مسرحي، على الطريقة البروكية (بيتر بروك). لم يخلُ العرض من تلك الصور المسرحية الغنية، رغم قلتها، لكن المشهد الأخير أتى لملء ذلك الفراغ، وفضح ضعف المشاهد التي سبقته.
إنطفأ الضوء، على شاشة في أفق المسرح الصغير، تم عرض لوحات لتشكيليين إسبان عن الحرب الأهلية الإسبانية. خلال تلك اللحظات القليلة، بدّل الممثلون تفاصيل الديكور الصغيرة، وتحول المكعب الذي يتوسط الخشبة إلى سرير في مستشفى مغطى بشراشف بيضاء. عاد النور إلى الغرفة، لكن هذه المرة كان أبيض بارداً، بدلاً من الألوان الحامية والدرامية التي سيطرت على المسرحية سابقاً. على السرير، تجلس رلى حمادة مديرة ظهرها للجمهور، بعدما واجهته مباشرة بكل إنفعالاتها خلال العرض. بدلت ثوبها البرتقلي بآخر أبيض، وأحنت كتفيها بصمت بعد عواصف التوتر التي سادت المسرحية. تدخل ممرضة (سيرينا الشامي) الغرفة، تصبحها بالخير، تمشط لها شعرها برقّة، وتضع شالاً على كتفيها، ثم تقودها لمواجهة الجمهور للمرة الأخيرة. لكن هذه المرة لن تنظر حمادة إلى أعين الجمهور، ولن تصرخ وتضحك وتنهار وتتعرى أمامه لتطلعه على جميع مخاوفها. بصمت، سوف تتوجه نحو الممر المحاذي له وتسير نحو آخر النفق المضاء الذي يقود نحو مخرج المسرح. من المرأة القوية التي المجابهة لإتهامات إبنها، والمقاومة لوحدتها بعدما تركها إبنها وتوقّف عن مراسلتها، والمفعمة بالحياة، والمستجمعة للحظات فرح قليلة عاشتها في حياتها علها تسعفها في حزنها العميق المسيطر عليها، تحولت رلى حمادة إلى إمرأة مهزومة، تعبت من الحياة، وإستلمت للسكون. عبر خطواتها البطيئة وهي متجهة نحو آخر النفق، تلمس أحزان وأوجاع الحياة التي أثقلت جسدها فترهل. ذلك الوجه الذي كان ينبض أملاً مراهقاً يحاول التغلب على قسوة الحرب والحياة طوال العرض، إنكسر في المشهد الأخير. إنطفأ بريقه، وبدأت التجاعيد تتآكله. عينان ثاقبتان تنظران إلى آخر النفق ولكن الحزن الدفين يسيطر عليهما. في المشهد الأخير، تنضج نضوج المرأة الثكلى، التي أيقنت أن الحرب أفقدتها أعز من أحبت وأفقدتها ذاتها. في المشهد الأخير، تتجلى رلى حمادة ممثلة عظيمة تختصر مسرحية «رسالة حب» بأكملها. وكأنّ العرض برمته كان مجرد تهيئة لصورة الألم والحزن والإستسلام الصامت التي جسدها المشهد الأخير. صورة الحرب الأهلية في كل الأرض.




مازن كرباج... «رسالة» إلى عام 2012


يستضيف «معرض الكتاب» هذه السنة تجربة فنية منفردة لمازن كرباج. رغم الاستفاقة المثقلة بكحول سهرة رأس السنة صبيحة اليوم الأول من 2012، أخذ الرسام والموسيقي اللبناني «أجندته» الجديدة التي اشتراها لهذا العمل الفني، وأنجز الرسمة الأولى على صفحة الأول من كانون الثاني (يناير) ٢٠١2. ثم تابع الرسم على مدار السنة: رسمة واحدة كل يوم على صفحات التواريخ اليومية. تلك اللوحات التي وصل عددها إلى ٣٨٣، لإنجازه أحياناً أكثر من واحدة في اليوم، ستعرض متلاصقة في «معرض الكتاب الفرنكوفوني»، متخذة شكل جداريّة كبيرة بطول ١٧ متراً. كرباج المتشوّق لرؤية تلك اللوحات جنباً إلى جنب للمرة الأولى في المعرض، يفضل أن ينظر إليها اليوم كعمل واحد لا كصفحات منفصلة.
هكذا، ستتاح لزوّار المعرض فرصة إلقاء نظرة مقرّبة على هذه اليوميات، قبل أن تصدر لاحقاً في كتاب عن «دار لاسوسياسيون» الفرنسية. في حديثه معنا، يخبرنا كرباج عن تجربته في الرسم المتواصل على مدار سنة، فـ«خلال الشهرين الأولين، كان الالتزام بالرسم يومياً أمراً ممتعاً، قبل أن أشعر بثقل المشروع أحياناً. فكرة الاستيقاظ صباحاً كل يوم مع هوس إنجاز رسمة على أجندتي، كانت تقلقني أحياناً، ثم بدأت العلاقة بين الرسم والزمن تتخذ أشكالاً جديدة ومتعة مختلفة». تتنوّع المواضيع المطروحة في اللوحات بين التفاصيل اليومية والأحداث الشخصية أو العامة. قد تجد رسمة تتعلّق بالأحداث في سوريا أو لبنان، أو أي رسمة عامة. في الاستديو، يرينا كرباج بعض النماذج عن رسمة لحبيبته في 14 شباط (فبراير)، وأخرى يستعين فيها بأسلوب الكولاج لنجد جزءاً من بطاقة سفره إلى إسطنبول، حيث أجرى حفلة مع الموسيقي شريف صحناوي. هكذا سنتابع يوميات مازن كرباج خلال عام ٢٠١٢، من خلال لوحات رسمها بالحبر، من دون أن تغيب عنها شخصياته وأسلوبه الذي اعتدناه في تجاربه السابقة. إلى جانب هذا العمل، ستتوافر ضمن المعرض كتب كرباج السابقة؛ منها «هذه القصة تجري»، و«رسالة إلى الأم» الذي صدر أخيراً.
لقاء مع مازن كرباج حول كتابه «رسالة إلى الأم»: 19:00 مساء 6 ت2 (نوفمبر) ــ AGORA

نشر في جريدة الأخبار







«مركز بيروت للفن» يخترع «ماكينة الحلم»

الدورة الثانية من المهرجان الذي أشرف عليه شريف صحناوي، وهشام عوض، ولميا جريج، يفسح المجال أمام زوايا عديدة تسائل العلاقة ين الصوت والصورة، التي يبحث عنها المبدعون اليوم. عروض وتجهيزات ولقاءات وأعمال أُنتجت خصيصاً للحدث بمشاركة فنانين لبنانيين وأجانب.
برمجة متماسكة ومتناغمة يطرحها «مهرجان بيروت لفنون الصوت والصورة ـــ ماكينة الحلم ٢» الذي تكاتف «مركز بيروت للفن» و«ارتجال» (مهرجان الموسيقى التجريبية في لبنان) على تنظيمه هذه السنة. المهرجان الذي أشرف على إعداده شريف صحناوي، وهشام عوض، ولميا جريج، يفسح المجال أمام زوايا مختلفة تسائل العلاقة بين الصوت والصورة التي يبحث الفنانون عنها اليوم. ينطلق «ماكينة الحلم ٢» غداً الجمعة ليمتد خمسة أيام في «مركز بيروت للفن»، فيما سيُعرض فيلمان نهار الأحد في فضاء «دواوين» (الصيفي). لماذا هذا المهرجان؟ وما معنى تخصّصه في فنون الصوت والصورة؟ إنّ العديد من الأعمال الفنية (سينما، فيديو، تجهيز، مسرح...) تنضوي تحت عنوان «فنون الصوت والصورة»، لكن شريف صحناوي يقول لـ «الأخبار» إنّ ما يميز «ماكينة الحلم» هو طرحه أعمالاً تسائل العلاقة بين الصوت والصورة في طرحها الفني، لا مجرد أي عمل يعتمد هذين العنصرين.
«قد يكون مثالا السينما التجارية والكليب، النقيضين الأكثر وضوحاً في سيطرة عنصر الصوت أو الصورة على الآخر» يضيف صحناوي. أما الأعمال المبرمجة في المهرجان، فتقع في المنطقة الوسط، حيث يدفع الفنان الصورة والصوت إلى الحوار أو مسائلة علاقتهما ببعضهما بعضاً. هشام عوض يحيلنا على مقالة نشرت في جريدة «لوموند» (٢/4/ ١٩٩٢) مثّلت إحدى نقاط انطلاق البحث والتفكير. تسرد المقالة نقاشاً دار بين المخرجين السويسري/ الفرنسي جان لوك غودار، والأرمني أرتافازد بيليشيان. في حديثه عن لغة تتخطى عقبة تعدد اللغات، يقول بيليشيان: «كي أجد تلك اللغة، أستعمل ما أدعوه الصور الغائبة. أعتقد أنه يمكننا أن نسمع الصورة ونرى الصوت. في أفلامي، الصورة موجودة إلى جانب الصوت، والصوت إلى جانب الصورة. تبادل مماثل يفضي إلى نتيجة أخرى عن توليف عرفناه خلال زمن الأفلام الصامتة أو بالأحرى غير الناطقة». ويضيف غودار: «اليوم، تُفصل الصورة عن الصوت على نحو متزايد. نلاحظ ذلك على نحو أفضل في التلفزيون. الصورة من جهة، والصوت من جهة أخرى. لا علاقة بينهما، لا صحية ولا حقيقية. ليس هناك سوى العلاقات الخاصة بالسياسة. لذلك تجد التلفزيونات في أيدي السياسيين في بلدان العالم. والآن ينشغل السياسيون في صناعة شكل جديد للصورة يسمّى HD. وحتى اللحظة، ما من أحد بحاجة إليه». تلك التساؤلات والأفكار دفعت منظّمي المهرجان الثلاثة إلى تركيز الدورة الثانية على ثيمتين: تضم الأولى الأعمال التي تتناول علاقة الموسيقى التصويرية بالصورة، فيما تشمل الثانية الأعمال التي تتطرّق إلى علاقة الصوت بالمكان، وكيف يمكن للصورة أن توحي المكان وبالعكس.
من محطات المهرجان، تحية للفنان الأميركي فيل نيبلوك. تعرض كاثرين ليبروفيسكايا فيديو حياً مع موسيقى حية لنيبلوك، ثم يعرض الأخير ثلاثة أعمال له، وفي اليوم الثاني، يعرض تجهيزاً فنياً مع ماغدا ماياس. عايش فيل نيبلوك (١٩٣٣) تطوّر موسيقى الأندرغراوند في نيويورك منذ السيتينات. كان ينتج الموسيقى المينمالية غير المبنية على الإيقاع أو الميلودي. يعدّ نيبلوك اليوم من أهم الموسيقيين المينيماليين الذين أثروا في الكثير من الموسيقيين الشباب المعاصرين. حضوره اليوم في المهرجان فرصة للتعرف إليه عن كثب. في المهرجان أيضاً عمل لمارك فيشير وجاستين بارتون عن الصوت المحفز لإنتاج صورة متخيلة عن أماكن جرى تغييبها عبر شريط On Vanishing Land. أما في فضاء «دواوين»، فيعرض وثائقي Charisma X للمخرج إيفي إكسيرو. شريط يتناول حياة المهندس المعماري والموسيقي اليوناني إييانيس إكسيناكس. اشتهر الأخير بدمجه الموسيقى والعمارة، فألف موسيقى تؤدَّى في فضاءات خاصة، وصمّم عمارت بناءً على مقطوعات موسيقية، كما كان من الطليعيين في استخدام النماذج الرياضية في التأليف الموسيقي، مما ترك أثراً كبيراً في تطوّر الموسيقى الإلكترونية والرقمية لاحقاً. كذلك يعرض Blue لديريك جيرمن. المخرج الانكليزي الذي قدم فيلم «كرافاجيو» (١٩٨٦) الغنيّ بالألوان، سيصاب بالإيدز ويعاني سيطرة بعض الألوان على بصيرته في أواخر حياته، حين أنتج فيلمه الأخير «أزرق» (١٩٩٣). رحلة صراع مع المرض يسيطر فيها اللون الأزرق على الشاشة لمدة ٧٥ دقيقة مع موسيقى تصويرية تتخللها أصوات من فترة مكوثه في المستشفيات وحوارات الأصدقاء حوله وأصوات أخرى.
أما ضمن مشاريع «ماكينة الحلم»، فدعت لميا جريج فنانين لينتجوا أعمالاً خاصة للمهرجان. يستند علي شرّي إلى حوارات مأخوذة من فيلم «بيروت اللقاء» لبرهان علوية، ويعيد موضعتها ضمن تجهيز فني يحاول أن يخلق فضاءً معادلاً لفضاء الصورة. وتلقي ريّا بدران نظرة نقدية إلى فعل النوستالجيا عبر عمل صوتيّ يرتكز على جهاز الراديو كونه الناقل الرئيس للنوستالجيا الصوتية. أما الألمانيتان بيريت شوك وجوليا تياكي اللتان أطلقتا العام الماضي مشروع خريطة صوتية وبرنامج راديو عن الإسكندرية بعنوان «مشروع شوارع الإسكندرية»، فتقدمان المواد الأولى لمشروع مماثل عن بيروت، فيما يقدم طارق عطوي ورشة عمل تطرح أسئلة عن التسجيل والتأليف الصوتي داخل/ خارج الأماكن الخارجية والعامة، إضافةً إلى عروض وتجهيزات أخرى من دون أن يخلو المهرجان من محاضرات عن التساؤلات حول العلاقة بين الصوت والصورة ضمن العمل الفني.
بدأت القصة...
ولدت فكرة المهرجان عام ٢٠٠٩ من جراء حوار بين شريف صحناوي ورضوان مومنه، لكن الدورة الأولى منه لم تبصر النور قبل عام ٢٠١٢. حينها انضم نديم مشلاوي إلى صحناوي ومومنه ليعدوا ويبرمجوا الدورة الأولى من المهرجان. أما في دورته الثانية، فقد انضمت لميا جريج إلى شريف صحناوي، ومن ثم هشام عوض، ليختاروا ثيمات الدورة الحالية والفنانين المشاركين. تركيبة تفسح المجال أمام معدّين جدد في التعاون والتناوب على إعداد دورات المهرجان، مما يضمن غناه مستقبلاً.
«ماكينة الحلم ٢»: بدءاً من الثامنة مساء غد الجمعة حتى 30 ت1 (أكتوبر) ــ «مركز بيروت للفن» (كورنيش النهر ـ بيروت) للاستعلام: 01/397018 ـــ www.beirutartcenter.org

ماراتون بيروت «يلا نركض» لزعماء الطوائف!

بعد اجتماع أجرته «جمعية ماراتون بيروت» صباح اليوم، والتزاماً منها بدورها الفاعل كجزء أساسي من المجتمع المدني المساند للمواطن اللبناني، قررت استبدال شعار ماراتون بيروت لهذا العام من «منركض للبنان» إلى «إلك زمان بتركض للبنان؟ اليوم لبنان رح يركضلك». وأوضحت الجمعية أنّ القرار باعتماد الشعار السابق، كان ناتجاً من التمسك ببعض الأمل بوجود دولة في لبنان، ولدعوة اللبنانيين جميعاً إلى الاتحاد في يوم الماراتون (10/11) والركض من أجل الوطن، متناسين خلافاتهم وأحقادهم الطائفية والسياسية والطبقية والعنصرية.
لم يخفِ أحدٌ من أعضاء الجمعية تأثّره بالشعار الذي اعتمدته وزارة السياحة في الصيف الماضي «ليش في أحلى من لبنان؟»، لكن بما أنّ الدولة اللبنانية هي عبارة عن تكتّل لمجتمعات انعزالية تتخذ أشكالاً مختلفة، وتقدّم ولاءها الأوّل والأخير لزعيمها السياسي، تبيّن أنّ الشعار تحوّل من «منركض للبنان» إلى «منركض لزعماء الطوائف السياسيين». لذلك وجب تعديل الشعار، وتوجيه تحية إلى كل مواطن لبناني رفض أن ينضوي حتى اليوم تحت لواء الطائفة والزعيم السياسي، بل أصر على التعريف عن نفسه كمواطن يقدّم ولاءه للوطن فقط. هؤلاء المواطنون رفضوا أن ينالوا وظائف بدعم من الزعيم، محاولين الاعتماد على مجهودهم الشخصي، وطلبوا شطب القيد الطائفي من سجلات النفوس، ليعلنوا انتماءهم الأوّل والأخير إلى الوطن، وطالبوا بالزواج المدني، وبأن يحكم القضاء اللبناني أحوالهم الشخصية. هؤلاء ركضوا كثيراً لوطنهم، فيما كان زعماؤه يسعون إلى المحافظة على كراسيهم، وتضخيم ثرواتهم، وتغذية الشحن الطائفي والخوف من الآخر ضمن صفوف مناصريهم كي يبقوا بحاجة إليهم وإلى حمايتهم. ولأنّ هؤلاء ــ مهما كان عددهم وعمرهم ــ هم الأمل الوحيد بقيام دولة حقيقية تدعى لبنان، وليس تكتل مجتمعات وطوائف يحقد بعضها على بعض... لهذه الأسباب، قرّرت «جمعية ماراتون بيروت» توجيه تحية إلى هؤلاء المواطنين، ودعت الدولة اللبنانية إلى الركض من أجلهم لأنّ تلك الفئة من المجتمع لن تتحمل مزيداً من الركض. بل إنّ تزايد الخطر على السلم الأهلي بسبب «حروب صغيرة» (كما يدعوها المخرج اللبناني مارون بغدادي) تقودها الطوائف السياسية في لبنان، سيدفع من رفض الاحتماء بطائفته إلى الهجرة يوماً ما. أما أموال الحملة الإعلانية، وخصوصاً تلك التي قدّمها «مصرف لبنان»، فسوف تُستثمر في مشاريع تنموية للمناطق النائية والفقيرة في لبنان. مشاريع ستقضي على استغلال فقر سكانها من قبل الزعماء كوقود للحروب. وختمت الجمعية البيان، داعية الجميع إلى عدم تصديق ما ورد أعلاه، لأنّ كامل محتواه من نسج الخيال، ولا تنسوا أن تركضوا للبنان في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

Tête-de-Mannequin captured via Instagram / Or / How to plant a Radish #2

Tête de Mannequin #8
I Swear I'm  not an #Alien 


Tête de Mannequin #9
My #boobs are lost between the #bags


Tête de Mannequin #10 
#فخورة 


Tête de Mannequin #11 
Mithkteer2eth3amnih#
Tête de Mannequin #12 
Aishti#
 شي بها شي براسها يا #حرام

Tête de Mannequin #13
She once wanted to sing #jazz, but she couldn't  

جولة إيكزوتيكية على حق العودة




لمّا شفتك
فلسطين، 2012، ملون، لغة عربية، ساعة و33 د.

المخرجة وكاتبة السيناريو: آن ماري جاسر / المصورة: هيلين لوفار
الممثلون: محمود عسفة (طارق)، ربى بلال (غيداء)، صالح بكري (ليث).
الجوائز:
جائزة NETPAC لأفضل فيلم آسيوي/ مهرجان برلين السينمائي 2013
جائزة لجنة التحكيم/ مهرجان القاهرة السينمائي 2012
جائزة لجنة التحكيم/ مهرجان وهران للفيلم العربي 2012
جائزة دون كيشوت للنقاد/ مهرجان قرطاج السينمائي 2012
جائزة أفضل فيلم عربي ضمن مسابقة آفاق جديدة/ مهرجان أبو ظبي السينمائي 2012 



إنها الأردن عام 1967، مضت أيام قليلة على وصول طارق (محمود عسفة)، 13 سنة، وأمه غيداء (ربى بلال) إلى مخيم مؤقت للاجئين الفلسطينين. ما بين رفضه الواقع الجديد، وكرهه لأستاذ المدرسة في المخيم، وتعرّفه على لاجئين أمضوا حوالي 20 سنة حتى الآن في ذلك المخيم المؤقت، يزداد طارق إصراراً بالعودة إلى الديار، وملاقاة أبيه الذي بقي في أرض فلسطين. إلا أنه، في إحدى الصباحات الباكرة، سوف يحمل حقيبته ويغادر المخيم دون علم والدته. وكما علّمه والده مرة سوف يتبع موقع مغيب الشمس، إذ أن الديار تقع هنالك. هكذا تنطلق رحلة طارق في مشوار العودة، في الفيلم الطويل الثاني "لمّا شفتك" للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر، بعد فيلمها الأول "ملح هذا البحر". رحلة سوف يتوه فيها طارق ليجده شاب فدائيّ: ليث (صالح بكري)، نائماً في العراء فيقوده معه إلى مخيم التدريب في إحدى الغابات. بعد بحث طويل، تجد غيداء إبنها في مخيم الفدائيين يتدرب معهم للعودة إلى فلسطين ورافضاً العودة معها إلى مخيم اللاجئين. ما بين التدريبات وسهرات الليل، والرغبة المتزايدة بالعودة إلى الديار ومجريات الحرب، تتواصل الأحداث. هل يحقق فعلاً طارق حلمه بالعودة إلى الديار؟ نترككم لمشاهدة الفيلم.
يتميز فيلم "لمّا شفتك" في مقاربة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من خارج اللأراضي الفلسطينية. فأحداث الفيلم تجري جميعها في الأردن ما بين مخيم اللاجئين في القسم الأول ومخيم الفدائيين في القسم الثاني، فيما أرض فلسطين التي هي موضوع الفيلم وجوهره غائبة عن الصورة. أما الميزة الأهم في خيار الكاتبة والمخرجة جاسر، أنها تروي قصة اللاجئين وقضية شديدة التعقيد على لسان طفل ومن منظوره. تخيم على الفيلم تلك النية البريئة لطفل غير قادر على استيعاب عبثية عالم الكبار وتعقيداته، فيما الطلب بسيط جداً بالنسبة له: العودة إلى الديار وملاقاة أبيه. وبذلك تحيلنا جاسر عبر فيلمها الجديد وبعد أكثر من ستين سنة على الصراع العربي الإسرائيلي إلى الحق الأولي والبسيط الذي ما زال الفلسطيني محروماّ منه: العيش مع عائلته على أرضه.
لطالما شهد االفن السابع لجوء السينمائيين إلى عالم الأطفال لطرح معضلات سياسية وإجتماعية كبيرة، في لغة مبسطة تعيد تذكيرنا بأمور أساسية، بعيداً عن تعقيدات السياسة. تحفل السينما الإيرانية بأمثلة كثيرة مع مخرجين مثل عباس كياروستامي ومجيد مجيدي وسميرة مخملباف ... الذين صوروا عدة أفلام من بطولة أطفال، طارحين عبرها مشاكل عميقة ومعقدة يعاني منها المجتمع الإيراني. كما نذكر مقاربة الحرب الأهلية اللبنانية من منظار الأطفال في فيلم "بيروت الغربية" لزياد دويري، وفي "زوزو" لجوزيف فارس. وتجدر الإشارة إلى أنه الدور السينمائي الأول للطفل محمود عسفة الذي قدم آداءً بارعاً، فيما عمل صالح بكري مع آن ماري جاسر سابقاً في فيلمها الأول "ملح هذا البحر".
وإن نجحت جاسر بمقاربة موضوع حق العودة، المتداول كثيراً في السينما الفلسطينية والعربية، ضمن سياق جديد عبر حكاية طفل، إلا أن بعض الخيارات الفنية والسياسية في "لمّا شفتك" تثير بعض التساؤلات. إن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم لم تتحقق بعد. إذاً موضوع الفيلم ما زال مستجداً ومطروحاً اليوم. لكن لماذا قررت مخرجة فلسطينية معنية بشكل مباشر بحق العودة والفدائيين أن تتناول هكذا موضوع في عام 1967 بالتحديد؟ هل لأنها أرادت أن تتفادى تعقيدات الأحداث  التي أصابت الفدائيين خلال السنين التالية، خاصة في الأردن؟ أم أنه مجرد افتتان "إكزوتيكي" بزمن السيتينيات وأزيائه، ونمط العيش فيه الذي لم تعشه المخرجة، والذي جعل الفيلم يتخذ ذلك الإطار الزمني غير المسيّس والمفصول عن التاريخ؟ علماً أن الفيلم يخلو من أية مراجعة تاريخية، أو نقدية لأي من عناصر الفيلم، وكأنه لم يمر أكثر من 40 سنة. لذلك تأتي النتيجة فيلماً تاريخياً، رومنسياً، درامياً، يروي قصة ولد لاجئ فلسطيني قرر العودة إلى الديار، وفي الخلفية بلد يدعى الأردن، ومخيمات للاجئيين وفدائيين فلسطينيين يتدربون للقتال أحياناً، ولكن في معظم مشاهدهم يتحلقون حول النار ويغنون ويرقصون ويلعبون ورق الشدة.
للكاتبة والمخرجة آن ماري جاسر حقها في تصوير أفلام غير مسيسة وتجارية، حتى ولو كانت أفلاماً مستقلة، وليس على جميع الفنانين الفلسطينيين والعرب أن يقدموا أفلاماً ملتزمة بالقضايا السياسية الكبرى. ولكنه ايضاً من حقنا أن نطالب مثقفينا بأن يكونوا أكثر نقداً من سياسيينا، وأن يسألوا على لسان الأطفال ربما، الأسئلة الموجعة التي لا نجرؤ على طرحها في العلن، مثلما فعل زملاؤهم السينمائيون الإيرانيون من قبلهم. نعم، حلم الطفل طارق عام 1967 بأن يعود إلى دياره، لكنه لم يعد حتى اليوم. فهل فعلاً إن إسرائيل هي السبب الوحيد وراء ذلك؟  

نشر في رصيف ٢٢