منذ أقل من سنة توجه دايفد حبشي، جوان باز، أشلي فيبي شقير، وحسين نخّال إلى منطقة رأس النبع في مدينة بيروت ليتفقدوا منزلاً مهجوراً. يومها لم يكونوا مدركين أن تلك "الخربة" سوف تصبح مقراً لجمعيتهم الثقافية، ويفتتحونها في شهر يناير من عام 2013 لاستقبال جميع المهتمين بالفن، خاصة العاملين في الوسائط المتعددة، تحت إسم "بيت ورق". كانت حالة البيت مزرية، لكن إعجاب أعضاء المجموعة بهندسته وحديقته وموقعه خارج الوسط الثقافي البيروتي، دفعهم لاتخاذ قرار سريع باستئجاره وتقاسم أعباء إعادة تأهيله بأسره، التي قاربت 10,000 $، ليتحول إلى ما هو عليه الآن.
كان من الضروري في بادئ الأمر أن يتم تنظيف المكان وإعادة دهنه. تصرّ المجموعة في حديثها لرصيف 22 على شكر "المعلم رجب" الذي من دونه لما كانوا انتهوا من العمل حتى الآن. لكن حسين نخّال يؤكد لنا أن مكبّ النفايات قرب المنزل كان مصدراً مهماً لفرش البيت. "كان أهل المنطقة يستغربون جداً كلما رأونا نحن الأربعة نتوجه سوية إلى مستوعبات النفايات نتأملها ونخرج منها درفة شباك، أو خزانة قديمة، أو صندوقاً خشبياً... أما اليوم فأصبح كل من أراد من الجيران رمي قطعة أثاث قديمة، نراه يقرع بابنا يسألنا إن كنا نريدها". هكذا قامت المجموعة بفرش البيت وحديقته، عبر إعادة تأهيل قطع قديمة، أو فرطها لإعادة تصنيع قطع جديدة. كذلك ومنذ شهرين نظمت المجموعة نشاطاً خلال نهاية الأسبوع، دعوا عبره الأصدقاء والراغبين إلى ورشة عمل لإعادة تأهيل ثانٍ لبيت ورق، مع Barbecue في الحديقة.
تهدف المجموعة إلى تحويل بيت ورق إلى مساحة يتلاقى فيها الفنانون العاملون في مجالات عدة ما بين المسرح، الرسم، الأفلام، والرقص والموسيقى... لكي يتشاركوا أعمالهم، همومهم، وأفكارهم، وربما تنشأ من هنا أعمال مشتركة. مساحات مثل هذه تدعوا إلى تلك التعددية الفنية قليلة في بيروت والعالم العربي. لتحقيق تلك الغاية يتم تنظيم نشاطات عامة وعفوية في معظم الأحيان، مثل إفطار أقامته المجموعة مؤخراً، وعروض أفلام، ولقاءات فنية تجمع ما بين الموسيقى والرقص وفن السينوغرافيا المرتجلة، تحمل في كل مرة إسم إعصار ما، فكان الأخير بإسم "كاترينا"، دون أن ننسى الليالي الساهرة في حديقة البيت. تهتم مجموعة ورق لهكذا نوع من النشاطات، لأنها تفسح مجالاً أمام المشاركين فيها بالتعرف عن كثب على المكان وعلى أفراد المجموعة، كما تشكل تلك النشاطات إطاراً يتضمن لقاءات وأحاديث ونقاشات، ثقافية كانت أم لا.
بالإضافة إلى ذلك تنظم المجموعة ورش عمل متخصصة تتداخل فيها دائماً الوسائط المتعددة بهدف إغنائها، وترتكز على الارتجال والأسلوب التفاعلي. جزء كبير من تلك الورش يتم تنظيمها في بيت ورق، وتكون مفتوحة لكل مهتم مقابل مبلغ اشتراك رمزي. هكذا قدم Bastien Dubois ورشة عمل في فن التحريك، وقدمت المجموعة ورشة أولى في خلق الشخصيات وتصنيع الدمى، سوف تُلحق بدورة أخرى يعمد فيها المشاركون إلى تطوير عرض في مساحة البيت وحديقته مستندين إلى الدمى والسينوغرافيا التي يختارونها. كما كان للكتابة الخلاقة ورشة بقيادة الزميل رأفت مجذوب. أما سلسلة "ورش ورق" فإنما يعلن عنها تباعاً عبر روزنامة المجموعة الإلكترونية وتتخذ في كل مرة موضوعاً وأسلوباً جديدين، دون أن تهمل تخصيص ورش للأطفال، وجميع الفئات العمرية. أما خارج البيت، تشارك المجموعة في نشاطات ثقافية، وخاصة في المنطقة العربية والبلدان المجاورة. فكان سبق لها أن شاركت في تنظيم وقيادة ورش عمل في كل من دبي، سوريا، إيران، وإيطاليا. حالياً يتحضرون للمشاركة في مهرجان الشارع في بيروت، ومهرجان آخر تنظمه "مجموعة كهربا" على درج الفاندوم في منطقة مار ميخائيل النهر – بيروت تحت عنوان "نحن والقمر والجيران"، كذلك يتحضرون للسفر إلى أرمينيا لإقامة ورشة في مدينة يريفان.
جميع تلك النشاطات الثقافية والترفيهية التي تملأ فضاء المنزل، وغيرها مما لم يذكر هنا، ومنها الذي ما زال طيّ التحضير يبقى الشاغل الدائم لمجموعة ورق. فيما يبقى الهمّ الأكبر استمرار العمل، والتوسع في التعاون مع فنانين من مختلف البلدان العربية، إذ أن المجموعة لا تحصر تطلعاتها بالساحة الفنية اللبنانية فقط. هنا تجدر الإشارة إلى إصرار المجموعة على التواصل مع البيئة التي من حولهم، وارتباط مشاريعهم بالمدينة وسكانها، وليس الانعزال ضمن قوقعة المثقفين. أما أهل الحي الذي لم يعرف يوماً نشاطاً فنياً بهذا الحجم، فقد أطلقوا على بيت ورق لقب "البيت الأصفر" بسبب الطلاء الذي اختارته المجموعة للجدران، وأصبحوا يدلون إليه كل تائه في المنطقة ذو "هيئة فنان"! أما أبواب "البيت الأصفر" فدائماً مفتوحة لأهل المنطقة، وغيرهم للعمل، والرسم، ومجالسة المجموعة، أو فقط لتمضية وقت مريح في الحديقة.
حتى اليوم ما زالت ميزانية جمعية ورق، التي تشمل تكاليف البيت والنشاطات، تُؤمَّن بجزء بسيط من مداخيل ورش العمل المدفوعة، فيما يتقاسم أفراد المجموعة ذاتياً الحصة الأكبر من التكلفة. وإن كانت سياسة التمويل قائمة حتى الآن على الادخار من المشاريع الشخصية والخاصة خارج إطار العمل ضمن المجموعة، إلا أن أعضاء المجموعة يبحثون حالياً عن سبل لتغطية تلك النفقات عبر صناديق الدعم الثقافية، وذلك لضمان استمرارية العمل، وحتى تحقيق الهدف بتقديم ورش العمل، وبوتيرة أكبر، مجاناً للراغبين بالمشاركة.
إن أهمية مشروع بيت ورق ونشاطات المجموعة المختلفة تصب في إيمانهم بأهمية العمل الثقافي المباشر مع أفراد المجتمع المحيط بهم، وتوفير مساحة لتلاقي فنانين من خلفيات ثقافية متنوعة وعاملين بوسائط فنية متعددة. منذ أقل من سنة حين كنت تعبر من حي "نبع اللبن" في منطقة رأس النبع، لكنت مثل المار في أيّ حي شعبي آخر، أما اليوم أصبح في أحد زواريبه "بيت ورق". حتى أهل الحي يعلمون أن هنالك شيئاً أساسياً في حياتهم اليومية قد تغير. يا ليت في كل حي من مدننا العربية تولد بيوت ورقية لتزرع الأمل بمستقبل أفضل قائم على الخلق والحوار.
أعضاء ورق
واظب حسين نخّال على أكل المفتقة وشرب الورد منذ الصغر. يهوى تغيير الوظائف والمداورة والإخراج والكتابة والرسم والتمثيل والمساج والطبخ. يحاول قدر المستطاع اكتشاف الفنون التفاعلية، وهو مصرّ على إعادة تراموي بيروت للوطن.
تعلم دايفيد حبشي المشي على عمر الشهرين. يهتم دافيد بالرسم والتحريك والتلوين والأشغال اليدوية وزراعة الشوارب وأرشفة تاريخ الوطن . حلم يسعى الى تحقيقه: تصميم عملة لبنانية جديدة خاصة أوراق الـ 50000 والـ 5000.
ربّت جوان باز في صغرها دجاجتين، كلبًا، نملاً و جملاً. يروق لجوان التعبير عن نفسها بالرسم، إخراج التحريك، تزيين ديوان البيت، و تكسير الشبابيك. حاليًا، هي بصدد إصدار تجهيز جديد عن يومياتها في غرفة بيت بيروتي قديم، كان يقطنها إثنا عشر ولداً.
ترعرعت أشلي فيبي شقير في قرنة شهوان قرب مصنع دوبامين. اختصاصها المفضّل هو التحريك، كما أنها تتقن الرسم والغناء، وطولة البال والترتيب. أشلي لا تفوّت على نفسها أي تفصيل حركة، أو صوت. اليوم هي مثابرة على اكتشاف حركة وتفاصيل أم رعيدة وأبو كيس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق