Puz/zle الشرقاوي فاديا طنب تنشد تصادم الهويّات


رغم الظروف التي يشهدها لبنان والمنطقة، أصرّ الكوريغراف البلجيكي المغربي على تقديم «هدية وصلاة» إلينا كما قال. ها هو يقدّم عرضه الليلة ضمن فعاليات «مهرجانات بعلبك». وقفة مع شريكته في العمل الفنانة فاديا طنب الحاج.

التقت فاديا طنب الحاج بالكوريغراف سيدي العربي الشرقاوي عبر صديق مشترك. تقول فاديا لـ«الأخبار»: «عندها، لم أكن أفقه شيئاً من الرقص المعاصر. لكن اليوم، أصبحت من أشدّ المعجبين بذلك الفن، وبأعمال العربي». كان ذلك الصديق المشترك مقتنعاً بأنّ تعاوناً ما سيحصل بين صوت الحاج والكوريغراف الذي كانت شهرته قد بدأت تسطع. هكذا أرسل هذا الصديق بعض أعمال الحاج إلى الشرقاوي، فأُعجب جداً بصوتها، وكان اللقاء في باريس، فيما لم يبصر التعاون الأول النور إلا بعد سنتين: في عام ٢٠٠٧، قدّم الفنان البلجيكي المغربي تجهيزاً فنياً على شكل بيت مؤلف من شاشات عُرض عليها فيديو رقص رافقتها غناءً فاديا طنب الحاج. حمل العمل عنوان La Zon-Mai. تصف الحاج التعاون الأول بالأمثل لأنّه فتح مجالاً لاختبار تجانس صوتها ونوع الإنشاد والمغنى اللذين تقدّمهما مع العمل الكوريغرافي للشرقاوي، من دون أن تكون شخصياً موجودة في العمل، بل عبر التسجيل الصوتي. لكنّ المسألة لن تقف هنا. ذلك أنّ الشرقاوي الذي اشتهر بإشراك الموسيقيين والمغنين كعنصر حيّ وفاعل مع الراقصين على المسرح، سيقترح على الحاج المشاركة في «أوريجين» (٢٠٠٨)، ثم في «بابل» (٢٠١٠)، وصولاً إلى عرض Puz/zle (٢٠١٢) الذي يقدم الليلة ضمن «مهرجانات بعلبك الدولية».

عن علاقتها الشخصية بالشرقاوي، تصفها الحاج بأنّهما أصبحا من أعزّ الأصدقاء؛ فهي «لم تعمل يوماً مع فنان بذلك الإحساس والرقة والاحترام والروحانية». في بادئ الأمر، وخوفاً من اضطرارها إلى الغياب عن أسرتها لفترات طويلة خلال التمارين والعروض التي تجول عادة على بلدان عديدة، حاولت تأجيل التعاون عبر فرض شروطها مثل غياب العري في الكوريغرافيا، والأخذ في الاعتبار «حشمة» الإنشاد الديني حين يوظَّف في العروض، لكنّ اللافت أنّ الشرقاوي قبِل بتنفيذ جميع طلباتها، مستعجلاً التعاون بينهما. بعد تعاونهما في مشاريع عدة، أصبحت الحاج تجد في تجربتها تلك غنى كبيراً يسعدها، فلم تتوانَ عن تطويرها، وخصوصاً أنّها تعلّمت الكثير في هذه المغامرة. تقول لـ«الأخبار»: «في الغناء الكلاسيكي عادةً، يتبع الموسيقيّ، مثل عازف البيانو، نفَس المغني. أما هنا، فقد تعلّمت كيف أتبع نفَس الراقصين، وتحرُّك أجسادهم إلى جانبي على المسرح، ما يؤثر على الارتجالات التي أجريها خلال العروض». منذ البداية، اختارت الحاج ألّا تكون مجرد منشدة تقف في زاوية المسرح، بل أن تكون في صلب العروض التي تشارك فيها، وأن تتفاعل مع الراقصين. عند بدء إعداد عرض «بازل»، اختلت الحاج مع فرقة A Filetta الكورسيكية والشرقاوي لمدة أسبوع، حيث عملوا على الموسيقى والمغنى. تجربة فريدة أشرف عليها هذا الكوريغراف الذي يعدّ من أبرز وجوه الجيل الجديد في الرقص المعاصر، من خلال تقديم الاقتراحات ودعوة فاديا للارتجال على الألحان الكورسيكية تارةً، والطلب من A Filetta أداء إيصون خاص لإنشاد فاديا البيزنطي طوراً. (الإيصون في الموسيقى البيزنطية هو الخلفية النغمية التي ترافق الكلمات المرتلة بإصدار طبقة القرار في اللحن). تؤكد الحاج أنّ للشرقاوي أذناً موسيقية مدهشة، حتى إنه كاد يكون موسيقياً محترفاً لو لم يختر الرقص، وأنّه يتعلم عزف الآلات الموسيقية بسرعة مدهشة. تجده مخرجاً بارعاً يبدع في خلق عروض يتكامل فيها الرقص مع الموسيقى كعنصرين حيّين على المسرح. حتى إنها تزوّده دوماً بترجمة مختاراتها الإنشادية باللغة العربية كي يستوحي منها. هكذا مثلاً في ترنيمة «إنّ البرايا بأسرها» (طقس بيزنطي)، يتجمّع الراقصون على الخشبة بخشوع. عبر حركات بسيطة بالأيدي، يمجّدون الخالق، فيما تعبُر الحاج المسرح منشدةً ترتيلة تُعَدّ من أروع ما لحّنَ المرتّل الأول في الكرسي الإنطاكي متري المر، وقد نظم كلماتها القديس يوحنا الدمشقي.

وفي سؤالنا عن حملة الاعتراض التي طاولت استخدام التراتيل في عرض «بازل»، أبدت فاديا طنب الحاج حزنها على انشغال البعض بمنع من يرتّلون في عروض فنية راقية بدلاً من ملاحقة مَن يقتلون ويفجّرون في البلد. على أي حال، مرّت العاصفة بهدوء، ولن يخضع العرض لأي تعديل وفق ما علمت «الأخبار». وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّه لطالما لجأ الرقص المعاصر إلى استخدام مؤلفات موسيقية لباخ وموزار أُنجزت خصوصاً للكنيسة وحملت عناوين مثل «آلام المسيح». أما استعمال تلك المؤلفات التي أصبحت ملكاً للتراث الموسيقي العالمي، فهو تقدير لعظمتها وقيمتها الفنية. يذكر هنا أنّ القائمين على المهرجان أكّدوا لنا أنّ المطران جورج خضر سيكون حاضراً في الصفوف الأمامية، مباركاً لابنة أخته الفنانة فاديا طنب الحاج على المسرح.

يُعَدّ الشرقاوي من أهم الكوريغراف في الرقص المعاصر على الساحة العالمية. في عرضه «بازل»، يستخدم الفنان اللعبة المعروفة لمنحها بعداً آخر: في وقت تنجح فيه بعض العلاقات في تأليف وحدة متجانسة ومتكاملة، تفشل محاولات أخرى. هكذا، تتمدّد وتصطدم العلاقات البشرية في هذا البازل الكبير الفكري والعاطفي وحتى الجسدي. في رسالة بعثها الكوريغراف إلى فاديا طنب الحاج قبل أيام، أكّد لها أنّه رغم كل المخاطر الحاصلة في لبنان، إلا أنّ الفرقة مصرّة على القدوم وتقديم العرض كهدية وصلاة. إنّها لفرصة مميزة بأن يقدم «بازل» هنا، وخصوصاً في ظلّ الظروف التي نعيشها، فلنستمتع جميعنا بفسحة خلق وجمال. أما بالنسبة إلى الشق الموسيقي، فيعمد الشرقاوي إلى مزج أنواع وأنماط موسيقية عدة في عروضه. في «بازل»، يتعاون مرة جديدة مع A filetta و«كازوناري أبي» إضافة إلى تعاونه مع الفنانة اللبنانية فاديا طنب الحاج. كما تتنوع الموسيقى الحية بين الإنشاد الديني الإسلامي والمسيحي، فتؤدي الحاج «إن البرايا» من الطقس البيزنطي، إلى جانب فرقة «أفيلياتا» التي تؤدي الموسيقى التقليدية الكورسيكية ضمن قالب معاصر.

العلاقة مع الطبيعة
حلّ Puz/zle على عدد كبير من المسارح والمهرجانات العالمية، محققاً إقبالاً واسعاً، وحاصداً جوائز عدة. وعندما قدّم للمرّة الأولى في «مهرجان أفينيون» العام الماضي مع 11 راقصاً، زار سيدي العربي الشرقاوي فضاء العرض في «لا كاريار دو بولبون» في أفينيون. هذا الفضاء يشكّل مساحة خلاء محاطة بالصخور. حينها، أدرك أنّه لا بد من أن يتمحور العرض حول الحجر/ الصخر كعنصر أساسي في العمل. هكذا وضع الكوريغراف البلجيكي المغربي على المسرح مكعبات ضخمة باللون الحجري، يدحرجها ويقلّبها الراقصون ويتنقّلون داخلها وبينها، لتصبح حركة السينوغرافيا جزءاً لا يتجزأ من كوريغرافيا «بازل». ومن خلال هذا الحوار وتفاعل حركة الراقصين مع الحجر، يبحث الكوريغراف عن علاقة عضوية مع الطبيعة.



فرقة "الألف": الموسيقى في مختبر التجريب



في الفترة الأخيرة، تنامت التجارب الموسيقية الجماعية، وخرجت إلى الضوء فرق جديدة، في عدة بلدان عربية، خصوصاً في مصر والأردن ولبنان. فرقة تحيي حفلة هنا، وفرقة تسجل إسطوانة هناك، وأخرى تطلق أغنية على موقع "يوتيوب". بعض تلك الفرق نجح في الوصول إلى التسجيل الثاني، وبعضها الآخر غرق في نجاح أغنية أو إثنتين. أما المشكلة، أو الحالة العامة، التي تشترك فيها غالبية هذه الفرق، فهي انحصار جمهورها ببعض الأصدقاء، والمقربين، وهواة موسيقى الأندرغراوند، من دون أن تتمكن هذه التجارب من اجتياز تلك الدائرة الضيقة إلى الجمهور الأوسع. لكن، بالتأكيد، ثمة استثناءات لهذه الحالة، مثل الفرقة اللبنانية "مشروع ليلى" التي استطاعت، خلال فترة وجيزة، تثبيت وجودها على الساحة الفنية، وحضورها في مهرجانات محلية وعالمية، وتسجيل ثلاث إسطوانات حتى اليوم مع مبيع كثيف ملحوظ. لكن، ما الذي يجعل من فرقة "الألف"، التي ولدت قبل عام من اليوم، متميزة في محيطها الموسيقي العربي؟

جرت العادة، إذا أراد مغنّ منفرد إطلاق أغنية، على أن يلجأ هذا الأخير إلى اختيار نص يعجبه، ثم يوكله إلى ملحن، فيوضع اللحن بما يتناسب مع الكلام والقدرات الصوتية للمغني، وهكذا تولد الأغنية. هذا المسار، تعتمده الفرق الموسيقية أيضاً، التي يختار أفرادها، بصفتهم الجماعية، النصّ ثم اللحن. أما في فرقة "الألف"، فاللحن يسبق الكلام. بالطبع، ليس كسر القاعدة هدفاً بحد ذاته، أو مجرد وسيلة للتميّز؛ بل لأن ما يجمع أعضاء الفرقة هي الموسيقى قبل الكلام. فللشباب تجربة خاصة، كلٌّ مع آلته، قبل أن يجتمعوا معاً. هكذا، كان من الطبيعي أن يرتكز لقاؤهم على الموسيقى كعنصر أساسي في الخلق الفني. بل يمكن القول إن أعضاء "الألف" ذهبوا أبعد من ذلك، إلى البحث عن أطر، أصوات، وأنماط موسيقية جديدة.

في حديث لـ"رصيف22"، يقول خيّام اللامي، مؤسس الفرقة وعازف العود فيها: "ما كانت "الألف" لتبصر النور لولا إجماع أعضائها على دخول مغامرة التجريب، المعروف بشروطه الخطيرة وغير المضمونة نتائجها". هكذا، اجتمع اللامي بخالد ياسين (إيقاع – لبنان)، وموريس لوقا (موسيقى إلكترونية – مصر)، وتامر أبو غزالة (غناء وبزق – فلسطين)، وبشار فران (باص – لبنان). كل واحد من هؤلاء، أحضر آلته وانضم إلى زملائه ذوي التجارب المختلفة عنه، ليحاورهم موسيقياً، ولكي يكون شريكاً في مختبر تجريبي لأصوات وتقنيات فنية مختلفة. هكذا، تتجسد فرادة الفرقة في تنوع المدارس والخلفيات الموسيقية والثقافية لأعضائها. فتجربة جميع هؤلاء الموسيقيين المنفردة، قبل تأسيس الفرقة، واختباراتهم المتعددة في الأنواع الموسيقية، إضافة إلى عزفهم على آلات مختلفة، والعمل مع موسيقيين محليين وعالميين، جعلت لكل منهم خلفية موسيقية غنية وجاهزة للتوظيف في قالب جماعي جديد. 

موسيقياً، نجحت "الألف" في خلق مساحة يتشارك فيها هؤلاء الفنانون بصهر تجاربهم في مختبر فني واحد، وبالعمل سوياً مع أصوات فنية جديدة لم يألفوها من قبل. فخلال التمارين، تنطلق الارتجالات الحرة من العود والبزق والإيقاع، التي يستلمها لوقا ويعيد ضخها إلكترونياً للفرقة، فيتنامى الحوار الموسيقي. رويداً رويداً، تتشكل الأصوات، وتتناغم، لتتألف الجمل الموسيقية. أما الكلام، فيأتي متأخراً، بعد تخمر المضمون الموسيقي لكل مقطوعة. غالباً ما يجري اختيار الكلمات من قصائد عربية، بحسب ما توحي به الموسيقى المولودة حديثاً. فأغنية "الجثة"، مثلاً، اختيرت كلماتها من قصيدة للشاعر العراقي سركون بولص من ديوانه "عظمة أخرى لكلب القبيلة". كما اختار أعضاء الفرقة غناء قصيدة "هنالك موتى" للشاعر الفلسطيني محمود درويش. هكذا، يتولى تامر أبو غزالة إدخال الكلمات المختارة للحن، لتصبح بمَغْناها آلة تضاف إلى المقطوعة الموسيقية. والنتيجة؟ خلق موسيقي لا يمكن حصره بنوع أو مدرسة ما، بل هو مزيج من الشرقي، والروك، والإليكترونيكس، مع نصوص باللغة العربية الفصحى، لتتشكل هوية موسيقية خاصة بفرقة "الألف". 

الفرقة التي تأسست عام 2012، قدمت حتى اليوم حفلات في كل من لندن وبرمينغهام، وليفيربول وهاروغايت في بريطانيا، إضافة إلى حفلات في بيروت وعمان وتونس والإسكندرية والقاهرة. في رصيد "الألف"، اليوم، 7 أغان، لم تصدر في ألبوم، هي "هولاكو"، "الجثة"، "حَصاة"، "سقط الرجل" (كلمات هذه الأعمال من قصائد سركون بولص)، و"انتظرها"، "هنالك موتى" (من قصائد محمود درويش)، و"اعتراف" (من قصائد فيحاء عبد الهادي)، إضافة إلى مقطوعة موسيقية هي "نشاب سيكاه".

مرت سنة، إذاً، على تأسيس الفرقة. ويمكن القول إن "الألف" انطلقت ببداية موسيقية واعدة جداً. وعبر طرحها الموسيقي الجديد، في القالب والمضمون، وجدت الفرقة مكانة على الساحة الفنية، ولن يصعب عليها ضمان استمراريتها، لطالما بقيت على المسار الذي عرفناها به. وعلى الرغم من أن توزع الموسيقيين في بلاد مختلفة يعيق عجلة التمرينات، وغزارة الإصدارات الفنية حالياً، إلا أن ذلك يلعب دوراً إيجابياً في تروّي الفرقة وتخمّر مؤلفاتها الموسيقية على مهل. 

من المؤكد أن "الألف" تضيف اليوم إلى الساحة الفنية عملاً جماعياً من إمضاء موسيقيين شباب مهمين جداً في محطيهم الفني العربي. ولكن الأهم أن الفرقة استطاعت تقديم تجربة موسيقية فريدة تتخطى التصنيف المدرسي إلى خلق تأليف موسيقي يحمل هوية لم نعتدها، لا في الموسيقى الشرقية ولا الغربية، من دون أن تسقط في هشاشة الدمج السطحي المرتجل، الذي قد نقع عليه مع فرق أخرى.         

"أعضاء الألف"

خيّام اللامي  مؤسس الفرقة، موسيقي وعازف عود عراقي ولد في دمشق ثم انتقل إلى  لندن. درس العزف على آلة العود على يد الفنان العراقي إحسان الإمام. ثم سافر إلى القاهرة للبحث والدراسة في بيت العود العربي وإلى إسطنبول للدراسة مع أستاذ محمد بيتم. حاز على منحة بحثية عبر برنامج World Routes التابع للإذاعة البريطانية BBC راديو 3. وفي عام 2001 نشر ألبوم عود منفرد، الأول له، بعنوان "رنين أقل".

خالد ياسين عازف إيقاع لبناني، اشتهر بتطوير أسلوبه الخاص في فهم وترجمة الإيقاع كصوت منفرد وليس فقط كمرافق لآلات أخرى. تعلم العزف عصامياً على آلات الإيقاع الشرقية واللاتينية والأفريقية كما على الكاخون. ثم  طور مشاركته في التأليف الموسيقي خاصة لعروض مسرحية، ورقص معاصر. عزف مع فنانين محليين وعالميين كثر مثل وردة، وإلهام المدفعي، وإيريك تروفاز، ورينيه ماكليين، وأنور إبراهم. 

موريس لوقا من أهم الفنانين اليوم العاملين في الموسيقى التجريبية في مصر. مع محمود والي، ومحمود رفعت أسس لوقا عام 2005 فرقة ”بيكيا“ في القاهرة. وتابع تقديم موسيقاه الإلكترونية منفرداً على الكيبورد سامبلر. كما شارك في تأليف الموسيقى لأعمال فيديو ومسرح مثل مع المخرج شريف العظمة.

تامر بو غزالة عازف عود وبزق ومغن فلسطيني. ولد في القاهرة قبل أن يتمكن من العودة إلى رام الله حيث درس في معهد الموسيقى. عمل منفرداً وأصدر أول إسطوانة ”المرآة“ في عام 2008. كما شارك في تأسيس فرق موسيقية عدة وتعاون مع موسيقيين من مصر والأردن وفلسطين على مشاريع عدة مثل "كازامدا"، و"جهار"، وعلى عمل جماعي مسرحي مع فرقة الطمي المسرحية تحت عنوان "ثورة قلق".  

بشار فران  عازف باص لبناني، عزف مع فرقة زياد سحاب وشحادين يا بلدنا، كما مع  فرقة ريان الهبر كمرافق على آلته للتخت الشرقي الموسيقي. كذلك عزف الباص ضمن الموسيقى الغربية من الجاز إلى الروك، إلى جانب فنانين مثل رائد الخازن، وقد يكون DnB Project المشروع الأهم الذي خاضه فران مؤخراً إلى جانب عازف الدرامز فؤاد عفرا، وعازفة الموسيقة الإلكترونية ليليان شلالا. 

مشروع ليلى يحتل البوب العربي



فعلاً نجحت فرقة "مشروع ليلى" بجمع مبلغ 67,273 $  لإنتاج ألبومها الثالث "رقصوك". إنها المرة الأولى التي تلجأ فيها فرقة موسيقية عربية إلى منصة تمويل جماعي Crowdsourcing لجمع الأموال من معجبيها، وخلال فترة شهر واحد فقط، وعبر 544 متبرع، تم تحقيق الهدف. "مشروع ليلى" كان أول مشروع يتم عرضه على منصة تمويل عربية جديدة تحمل اسم "ذومل" ، ومع نجاحه في جمع المبلغ المطلوب، نجحت أيضاً المنصة الجديدة في انطلاقتها العربية، لتنضم إلى مثيلاتها العالمية مثل العالمية “Indiegogo” و “Kickstarter”. عبر تلك الخطوة استطاعت الفرقة تحقيق الهدف المباشر بتغطيتها تكاليف إنتاج ألبومها الثالث "رقصوك"، من تسجيل محترف في إستوديو في مونتريال، وطباعة الألبوم بجودة عالية، وتصوير فيديو كليبات، إضافة إلى إحياء حفلة إطلاق الألبوم الجديد في 28 أوغسطس في ميوزيك هول في بيروت. كن أيضاً استطاعت الفرقة أن تثبت أن الجمهور العربي ما زال مهتماً بالتجارب الموسيقية الشبابية المستقلة. خلال طرحها على ذومل، توجهت الفرقة للجمهور العربي قائلة: ساعدونا على إثبات أن صناعة الموسيقى في عالمنا العربي لا تعكس صورة شعبنا ولا ذوقه / ساعدونا لتتوقّف صناعة الموسيقى عن إعادة تدوير نفس "النجوم" لكن بأسماء مختلفة / ساعدونا على المطالبة بفن أفضل / ساعدونا على المطالبة بالتنوّع في بيئتنا الثقافية / ساعدونا على إجبار هذه الصناعة للإصغاء إلى الناس / ساعدونا كي لا يرقّصونا على أنغامهم وحركاتهم؛ وتشتك طَمْ طَمَاتِهِم / ساعدونا على استرجاع البوب العربي. تلك المطالبات لم تحصد بعض "اللايكات" و"التشيير" على مواقع التواصل الاجتماعي  فقط، بل على 67,273 $ ، مما يعني أن فئة مهمة من الجمهور العربي فعلاً تبحث عن إنتاج موسيقي بديل عن البوب العربي المطروح في السوق. 

الفرقة التي انطلقت عام 2008 من تجربة عفوية جمعت أفرادها خلال دراستهم الجامعية داخل حرم الجامعة الأمريكية في بيروت، وبتمويل ذاتي، أصبحت اليوم، بعد خمس سنوات، إحدى أشهر الفرق الشبابية العربية. خلال السنوات الأخيرة قدمت الفرقة حفلاتها في لبنان، في مهرجانات دولية مثل جبيل وبعلبك، وجالت على العديد من العواصم العربية: تونس وعمّان ودبي والقاهرة، كما قدمت حفلات في كل من تركيا وفرنسا. أما اليوم ولإطلاق الألبوم الجديد، وبعد حفلة بيروت، تتوجه الفرقة إلى دورة عالمية تنطلق من عمّان إلى مونتريال، تورونتو، نيويورك، باريس، لندن، وبروكسيل. مشروع ليلى يحتل البوب العربي #occupyarabpop  



خالد صبيح والرفاق: تَريَقة على «الراحل الكبير»



تعرّف عن نفسها بأنّها تعنى بـ«جرف التراث» لكنّها في الواقع تحمل لواء التحديث من قلب الموسيقى الشرقية. الأسبوع المقبل، يشهد «مترو المدينة» الولادة الرسمية للفرقة التي تضمّ عماد حشيشو، وعبد قبيسي، وعلي الحوت، وخالد صبيح وساندي شمعون.
يومي الثلاثاء والخميس المقبلين، سيشهد جمهور «مترو المدينة» ولادة «فرقة الراحل الكبير». فرقة موسيقية جديدة واعدة بالكثير. الفنان خالد صبيح الذي عرفناه سابقاً في فرقة «ربيع بيروت»، أسّس هذه الفرقة الجديدة التي بدأت تمارينها مع بداية العام 2013. تضم الفرقة آلات العود (عماد حشيشو)، والبزق (عبد قبيسي)، والايقاع (علي الحوت)، والبيانو (خالد صبيح) في أداء يراوح بين الطربي التقليدي والتعبيري الحديث. ويشكل العازفون الاربعة أيضاً الفريق الغنائي في الفرقة ضمن أداء يتنقل بين نمط البطانة الشرقية، وطريقة الكورال، الى جانب ساندي شمعون التي تؤدي منفردة ومع المجموعة، بالإضافة إلى مشاركة نعيم الأسمر غناءً وعزفاً على العود. أما القطع الموسيقية والغنائية الخاصة والمستعادة التي سوف تقدم خلال الحفلة، فهي من تأليف أو إعادة توزيع خالد صبيح. عملت الفرقة خلال التمارين مجتمعة على تطوير الأفكار توزيعاً وتنفيذاً في ما يشبه ورشة عمل موسيقية. تمزج الفرقة في طرحها ببراعة بين العمل الموسيقي المتقن والأسلوب التهكمي. يبدو ذلك واضحاً في الاسم الذي اختارته الفرقة لذاتها، وفي التعريف الذي اعتمدته: «فرقة موسيقية غنائية لا تبغي الطرب، وتُعنى أيضاً بجرف التراث».

قد يكون بعضكم سبق أن تعرّف إلى الفرقة عبر أغنية «دونت ميكس». أغنية تهكمية ارتجلها أعضاء الفرقة عقب خطاب الرئيس المصري السابق محمد مرسي في ألمانيا، وتنتقد بشكل رئيسي «الميكس» بين الدين والسياسة. يومها، تم تصوير الأغنية بعفوية خلال أحد التمرينات وتحميلها على موقع يوتيوب ليفوق عدد مشاهدي الفيديو الـ 31 ألف مشاهد حتى اليوم.

بالطبع، سوف تؤدي الفرقة الأغنية خلال حفلاتها الأولى، كما ستقدم تسع أغنيات أخرى، ومقطوعتين موسيقيتين هما «الانشقاق» و«نحاس عتيق للبيع»، وأغنية من كلمات هيثم شمص: «الكبير كبير فوق الكل، الكبير كان قاعد عالكل، الكبير كان كاتم على نفس الكل. الكبير رحل، واحنا ليلتنا ح تبقى فلّ».

سوف تستقبل الفرقة الجمهور. فعلاً، رحل الكبير، والفرقة سوف تتحلّق تحت صورته على المسرح لتتقبل التعازي عزفاً وغناءً. ليس ذلك الكبير سوى «التشبثّ العقيم بالتراث»، فالفرقة اختارت أن تستعيد عدداً من الأغنيات من التراث والفولكلور المصري، لتؤديها بتوزيع جديد مثل: «الدنيا بدا لحظة» (تراث المداحين في مصر) و«قرقشنجي». فيما تستعيد أغنيات مثل «سايس حصانك» للشيخ إمام، و«حتجنّ ياريت» لسيد درويش، وموشح «لما بدا يتثنى» الذي أصبح يحمل عنوان «مليك إخت الجمال»، بالإضافة إلى أغنيات جديدة مثل «دين الجدعنة» (شعر مصطفى ابراهيم)، «أيقظ الحب فؤادي» (شعر قديم)، و«ممنوع من التجوال» (عن قصيدة لبابلو نيرودا ـــ ترجمة سمير عبد الباقي). شهدنا أخيراً محاولات عديدة خاضتها فرق جديدة لتحديث الأغنية الشرقية العربية. لكنّ أغلبيتها لجأت إلى مزج الموسيقى الشرقية مع موسيقى وإيقاعات الروك والجاز وغيرهما من الموسيقى الغربية. ورغم أن بعض تلك المحاولات المعاصرة قدمت تحديثاً قيماً في بعض الأحيان، إلا أنّ معظمها بقي أسير المزج الصرف بين نوعين من الموسيقى من دون أن يحدث أي تغيير فعلي في الموسيقى الشرقية. أما «فرقة الراحل الكبير» فتتميز في طرح التحديث من قلب الموسيقى الشرقية: لحناً وتوزيعاً وعزفاً وغناءً. من المؤكد أن حفلة «فرقة الراحل الكبير» لن تكون ولادة أي فرقة شرقية جديدة، بل يتوقع أن ترسم توجهاً موسيقياً شرقياً جديداً وخاصاً بها. ندعوكم إلى التعرّف إلى الفرقة، وصوت غنائي جديد واعد بالكثير: فنانة درست التمثيل في الجامعة اللبنانية، وغنّت سابقاً في عرض «عائد إلى حيفا» للمخرجة لينا أبيض... إنها ساندي شمعون.




بيت ورق



منذ أقل من سنة توجه دايفد حبشي، جوان باز، أشلي فيبي شقير، وحسين نخّال إلى منطقة رأس النبع في مدينة بيروت ليتفقدوا منزلاً مهجوراً. يومها لم يكونوا مدركين أن تلك "الخربة" سوف تصبح مقراً لجمعيتهم الثقافية، ويفتتحونها في شهر يناير من عام 2013 لاستقبال جميع المهتمين بالفن، خاصة العاملين في الوسائط المتعددة، تحت إسم "بيت ورق". كانت حالة البيت مزرية، لكن إعجاب أعضاء المجموعة بهندسته وحديقته وموقعه خارج الوسط الثقافي البيروتي، دفعهم لاتخاذ قرار سريع باستئجاره وتقاسم أعباء إعادة تأهيله بأسره، التي قاربت 10,000 $، ليتحول إلى ما هو عليه الآن. 


كان من الضروري في بادئ الأمر أن يتم تنظيف المكان وإعادة دهنه. تصرّ المجموعة في حديثها لرصيف 22 على شكر "المعلم رجب" الذي من دونه لما كانوا انتهوا من العمل حتى الآن. لكن حسين نخّال يؤكد لنا أن مكبّ النفايات قرب المنزل كان مصدراً مهماً لفرش البيت. "كان أهل المنطقة يستغربون جداً كلما رأونا نحن الأربعة نتوجه سوية إلى مستوعبات النفايات نتأملها ونخرج منها درفة شباك، أو خزانة قديمة، أو صندوقاً خشبياً... أما اليوم فأصبح كل من أراد من الجيران رمي قطعة أثاث قديمة، نراه يقرع بابنا يسألنا إن كنا نريدها". هكذا قامت المجموعة بفرش البيت وحديقته، عبر إعادة تأهيل قطع قديمة، أو فرطها لإعادة تصنيع قطع جديدة. كذلك ومنذ شهرين نظمت المجموعة نشاطاً خلال نهاية الأسبوع، دعوا عبره الأصدقاء والراغبين إلى ورشة عمل لإعادة تأهيل ثانٍ لبيت ورق، مع Barbecue في الحديقة.  


تهدف المجموعة إلى تحويل بيت ورق إلى مساحة يتلاقى فيها الفنانون العاملون في مجالات عدة ما بين المسرح، الرسم، الأفلام، والرقص والموسيقى... لكي يتشاركوا أعمالهم، همومهم، وأفكارهم، وربما تنشأ من هنا أعمال مشتركة. مساحات مثل هذه تدعوا إلى تلك التعددية الفنية قليلة في بيروت والعالم العربي. لتحقيق تلك الغاية يتم تنظيم نشاطات عامة وعفوية في معظم الأحيان، مثل إفطار أقامته المجموعة مؤخراً، وعروض أفلام، ولقاءات فنية تجمع ما بين الموسيقى والرقص وفن السينوغرافيا المرتجلة، تحمل في كل مرة إسم إعصار ما، فكان الأخير بإسم "كاترينا"، دون أن ننسى الليالي الساهرة في حديقة البيت. تهتم مجموعة ورق لهكذا نوع من النشاطات، لأنها تفسح مجالاً أمام المشاركين فيها بالتعرف عن كثب على المكان وعلى أفراد المجموعة، كما تشكل تلك النشاطات إطاراً يتضمن لقاءات وأحاديث ونقاشات، ثقافية كانت أم لا.  


بالإضافة إلى ذلك تنظم المجموعة ورش عمل متخصصة تتداخل فيها دائماً الوسائط المتعددة بهدف إغنائها، وترتكز على الارتجال والأسلوب التفاعلي. جزء كبير من تلك الورش يتم تنظيمها في بيت ورق، وتكون مفتوحة لكل مهتم مقابل مبلغ اشتراك رمزي. هكذا قدم Bastien Dubois ورشة عمل في فن التحريك، وقدمت المجموعة ورشة أولى في خلق الشخصيات وتصنيع الدمى، سوف تُلحق بدورة أخرى يعمد فيها المشاركون إلى تطوير عرض في مساحة البيت وحديقته مستندين إلى الدمى والسينوغرافيا التي يختارونها. كما كان للكتابة الخلاقة ورشة بقيادة الزميل رأفت مجذوب. أما سلسلة "ورش ورق" فإنما يعلن عنها تباعاً عبر روزنامة المجموعة الإلكترونية وتتخذ في كل مرة موضوعاً وأسلوباً جديدين، دون أن تهمل تخصيص ورش للأطفال، وجميع الفئات العمرية. أما خارج البيت، تشارك المجموعة في نشاطات ثقافية، وخاصة في المنطقة العربية والبلدان المجاورة. فكان سبق لها أن شاركت في تنظيم وقيادة ورش عمل في كل من دبي، سوريا، إيران، وإيطاليا. حالياً يتحضرون للمشاركة في مهرجان الشارع في بيروت، ومهرجان آخر تنظمه "مجموعة كهربا" على درج الفاندوم في منطقة مار ميخائيل النهر – بيروت تحت عنوان "نحن والقمر والجيران"، كذلك يتحضرون للسفر إلى أرمينيا لإقامة ورشة في مدينة يريفان. 


جميع تلك النشاطات الثقافية والترفيهية التي تملأ فضاء المنزل، وغيرها مما لم يذكر هنا، ومنها الذي ما زال طيّ التحضير يبقى الشاغل الدائم لمجموعة ورق. فيما يبقى الهمّ الأكبر استمرار العمل، والتوسع في التعاون مع فنانين من مختلف البلدان العربية، إذ أن المجموعة لا تحصر تطلعاتها بالساحة الفنية اللبنانية فقط. هنا تجدر الإشارة إلى إصرار المجموعة على التواصل مع البيئة التي من حولهم، وارتباط مشاريعهم بالمدينة وسكانها، وليس الانعزال ضمن قوقعة المثقفين. أما أهل الحي الذي لم يعرف يوماً نشاطاً فنياً بهذا الحجم، فقد أطلقوا على بيت ورق لقب "البيت الأصفر" بسبب الطلاء الذي اختارته المجموعة للجدران، وأصبحوا يدلون إليه كل تائه في المنطقة ذو "هيئة فنان"! أما أبواب "البيت الأصفر" فدائماً مفتوحة لأهل المنطقة، وغيرهم للعمل، والرسم، ومجالسة المجموعة، أو فقط لتمضية وقت مريح في الحديقة.  


حتى اليوم ما زالت ميزانية جمعية ورق، التي تشمل تكاليف البيت والنشاطات، تُؤمَّن بجزء بسيط من مداخيل ورش العمل المدفوعة، فيما يتقاسم أفراد المجموعة ذاتياً الحصة الأكبر من التكلفة. وإن كانت سياسة التمويل قائمة حتى الآن على الادخار من المشاريع الشخصية والخاصة خارج إطار العمل ضمن المجموعة، إلا أن أعضاء المجموعة يبحثون حالياً عن سبل لتغطية تلك النفقات عبر صناديق الدعم الثقافية، وذلك لضمان استمرارية العمل، وحتى تحقيق الهدف بتقديم ورش العمل، وبوتيرة أكبر، مجاناً للراغبين بالمشاركة. 
إن أهمية مشروع بيت ورق ونشاطات المجموعة المختلفة تصب في إيمانهم بأهمية العمل الثقافي المباشر مع أفراد المجتمع المحيط بهم، وتوفير مساحة لتلاقي فنانين من خلفيات ثقافية متنوعة وعاملين بوسائط فنية متعددة. منذ أقل من سنة حين كنت تعبر من حي "نبع اللبن" في منطقة رأس النبع، لكنت مثل المار في أيّ حي شعبي آخر، أما اليوم أصبح في أحد زواريبه "بيت ورق". حتى أهل الحي يعلمون أن هنالك شيئاً أساسياً في حياتهم اليومية قد تغير. يا ليت في كل حي من مدننا العربية تولد بيوت ورقية لتزرع الأمل بمستقبل أفضل قائم على الخلق والحوار. 

أعضاء ورق

واظب حسين نخّال على أكل المفتقة وشرب الورد منذ الصغر.  يهوى تغيير الوظائف والمداورة والإخراج والكتابة والرسم والتمثيل والمساج  والطبخ. يحاول قدر المستطاع اكتشاف الفنون التفاعلية، وهو مصرّ على إعادة تراموي بيروت للوطن.

تعلم دايفيد حبشي المشي على عمر الشهرين. يهتم دافيد بالرسم والتحريك والتلوين والأشغال اليدوية وزراعة الشوارب وأرشفة تاريخ الوطن . حلم يسعى الى تحقيقه: تصميم عملة لبنانية جديدة خاصة أوراق الـ 50000 والـ 5000.  

ربّت جوان باز في صغرها دجاجتين، كلبًا، نملاً و جملاً. يروق لجوان التعبير عن نفسها بالرسم، إخراج التحريك،  تزيين ديوان البيت، و تكسير الشبابيك. حاليًا، هي بصدد إصدار تجهيز جديد عن يومياتها في غرفة بيت بيروتي قديم، كان يقطنها إثنا عشر ولداً.

ترعرعت أشلي فيبي شقير في قرنة شهوان قرب مصنع دوبامين. اختصاصها المفضّل هو التحريك، كما أنها تتقن الرسم والغناء، وطولة البال والترتيب. أشلي لا تفوّت على نفسها أي تفصيل حركة، أو صوت. اليوم هي مثابرة على اكتشاف حركة وتفاصيل أم رعيدة وأبو كيس.


مازن كرباج... زجاجة في بحر بيروت


المناخات العبثية التي تخيّم على رواياته والشخصيات وحواراتها منحت الفنان اللبناني أسلوباً خاصاً. في موازاة معرضه الذي يحتضنه «مركز بيروت للفن»، يأتي كتابه Lettre à la Mère الذي يجمع رسومات نشرها سابقاً فوق صفحات الجرائد. أما الأم هنا، فليست سوى مدينة الحروب الأهلية التي يكرهها ويحبّها.

قبل أسابيع، أطلق مازن كرباج كتابه الفرنسي المصوّر «رسالة إلى الأم» في «مركز بيروت للفن» في موازاة معرضه الذي يضمّ الرسومات الأصلية في الطابق الثاني من المركز. يحمل كتاب Lettre à la Mère اسم الفصل الأول منه، ويشتمل على ١٤ فصلاً من الرسومات نشرت سابقاً في إصدارات مختلفة، لكنّها تُقدَّم هنا مجتمعة في «رسالة إلى الأم» الصادر عن «دار أبوكاليبس» الفرنسية. في جزء من الكتاب، يلجأ كرباج إلى شخصياته ومنطق قصصه التي ألفناها سابقاً في إصدارات عديدة، منها فوق صفحات «الأخبار». تحت عنوان «الآن» في الكتاب، يتوجّه بالحديث إلى يوم الجمعة خلال الساعات الأربع الأخيرة قبل انقضائه وقدوم نهار السبت. ذلك الأسلوب الخاص في رسم الشخصيات، ومنطق الرواية والحوارات الذي لا يخلو من العبثية، نجح كرباج في تكريسه وخلق جمالياته ومفرداته الخاصة والمميزة. وهو يظهر في فصول عدة من الكتاب متخذاً خصوصية مختلفة في كل منها. لكنّ الجزء الأكثر أهمية يبقى ذلك الخالي من تلك الشخصيات الذي يقدم عبره علاقته بمدينة بيروت وموضوعات أخرى. 

ليست الأم في الفصل الأول سوى بيروت. «اليوم ماتت أمي»، هكذا يستعير كرباج العبارة الأولى من رواية ألبير كامو الشهيرة «الغريب». «كم مرّة تمنيت أن أكتب تلك الجملة، كي لا أعود أراك أو أسمعك». بيروت، مدينة الكاتب وأمه، لم تمت، لكنه حافظ على شعور الغربة «الكاموية». هكذا يتنقل في رسوماته عبر معالم معمارية وجغرافية في المدينة بحثاً عن تحديد علاقته بها: من «سيتي سنتر» إلى «هوليدي إن»، فالروشة، وبرج المر، و«مبنى بركات» على السوديكو، وصولاً إلى ساحة الشهداء بتمثالها وجامعها وكنائسها، ومبنى شركة كهرباء لبنان وناطحات السحاب الزجاجية. رحلة بانورامية على معالم هي بمعظمها من مخلّفات الحرب الأهلية التي يرى فيها كرباج حجة جاهزة دوماً لتبرير كل شيء. في الفصل الأول، يستعرض الفنان مشاعره تجاه تلك المدينة بعدما عاد إليها كعودة العاشق. مشاعر مجبولة برغبة القتل وبذكريات الخوف. أمام تلك المدينة المتصابية اليوم بفعل البترودولار، يرى كرباج أنّ الزمن يجري والموت يقترب. مع ذلك، فهو ما زال يحبها ويكرهها. يتميّز الفصل الأول عن باقي الكتاب بأسلوب الرسم الدقيق والمفصل الذي لم نعتده في رسومات كرباج سابقاً. وفيما تخلو الرسومات من أي شخصية، يفرد كرباج مساحة صفحاته لرسم معالم المدينة باللون الأبيض والأسود، مستعيناً بالأزرق والأصفر الداكن للخلفيات وتفاصيل أخرى. أما في الإخراج الفني، فقد اختار أن يظهر مبنى «هوليدي إن» مثلاً من أربع زوايا ضمن أربعة مربعات. على كامل الصفحة المقابلة، تظهر لقطة مقربة للمبنى. ذلك الخيار يحيلنا إلى الصورة الفوتوغرافية التي تحاول الإحاطة بالمباني من كل جهة، والتقاط تفاصيلها. وإن كان الفنان اختار إلغاء المباني عبر تحويلها إلى مربعات صفراء، إلا أنه اهتم برسم التفاصيل الواقعية للمباني المقصودة. جميع تلك الخيارات قدمت جمالية عالية للفصل الأول وأتت مؤاتية لذلك البحث عن تحديد علاقته ببيروت بين تلك المباني والمعالم. في الفصل الرابع الذي يحمل عنوان L‘Ovni، يرسم مبنى «سيتي سنتر» أو ما تبقى منه بتصرف يعكس نظرته وتخيلاته له عبر مراقبته له منذ الصغر حتى اليوم. علماً أنّ الفصل الذي يحمل عنوان Autoportrait en marchant et regardant le sol الذي يتميز ببساطته في الرسم والنص، يقدم مادة مشوقة تؤثر في القارئ بالتفاصيل رغم أنّه لا يرسم سوى أرض من الحصى وبعض التفاصيل الأخرى. بين تنوع أساليب الرسم، والمواضيع، يقدم «رسالة إلى الأم» مادة قيمة بريشة مازن كرباج.

ارتجال
مازن كرباج (١٩٧٥) رسام، لكنّه أيضاً موسيقي. قدم أول حفلة له في الموسيقى الارتجالية على المسرح في عام ٢٠٠٠. بعد عام، أسّس مع شريف صحناوي مهرجان الموسيقى التجريبية الحرة «ارتجال» الذي أصبح محطة أساسية في روزنامة المهرجانات الموسيقية في بيروت، وقد استضاف الحدث السنوي موسيقيين لبنانيين وعالميين. من خلال مسيرته ودوره في «ارتجال»، يعتبر كرباج من الفاعلين الأساسيين في تطوير ساحة الموسيقى التجريبية في العالم العربي. قدم عروضاً عدة في لبنان والعالم، وسجّل ألبومات عدة منها الفردية أو برفقة موسيقيين محليين وعالميين.

شباب الفنّ اللبناني المعاصر قتلوا آباءهم



في «جولة في تراثنا»، قدّم 20 فناناً شاباً أعمالاً ارتكزت على إرث روّاد المحترف اللبناني. مع ذلك، جاءت المشاريع أضعف من النموذج الأصلي، باستثناء رائد ياسين وروي سماحة وعمر فاخوري وناتالي حرب ومازن كرباج. طلبت القائمتان على معرض «جولة في تراثنا»، جانين معماري وماري طنب، من 20 فناناً معاصراً أن يبتكروا أعمالاً بهدف استكشاف جوانب التشكيل اللبناني المعاصر من خلال الإرث الفني لوجوه ولدت قبل 1930. هكذا اختار الفنانون المعاصرون الارتكاز على لحظة أو سيرة فنية كاملة من تاريخ المحترف اللبناني. لكنّ معظم الأعمال المقدَّمة بقيت أضعف من المقاربة النظرية للنصوص المرفقة بها، وأضعف بكثير من النموذج الأصلي. فيما تميّزت أعمال قليلة بعناصرها الذاتيّة.

يقدّم رائد ياسين عرضاً أدائياً بعنوان «البورتريه الذاتي الأخير» (قيد التشكّل). يستند العمل إلى البورتريه الذاتي الأخير الذي رسمه الفنان خليل صليبي قبل أن يقتل عام 1928 إثر إشكال بين أهالي قريته. هكذا دعا ياسين رسامين يافعين يومياً إلى المعرض، طالباً منهم أن يعيدوا رسم البورتريه بدقة. في البورتريه، ينظر صليبي إلى الناظر إليه، كأنّنا به ينظر إلى جيل اليوم من الرسامين الذين ينظرون بدورهم إلى الماضي في محاولة لإعادة رسمه. بعد مرور أيّام على المعرض، تكدّس عدد كبير من اللوحات تحت اللوحة الأصلية. وقد أصبح الرسامون الشباب هم العمل بذاته، وخصوصاً وهم يرسمون أمام أعين الزائرين ضمن المكعّب الأبيض. كما يحمل سيزيف صخرته كل يوم إلى أعلى الجبل قبل أن تتدحرج من جديد، يواصل الرسامون رسم بورتريه صليبي. تلك الحلقة الإغريقية المفرغة، لا تتمثل في العمل المتكرر فحسب، بل أيضاً في الهرب من لحظة الموت المباغتة التي خطفت صليبي شاباً. كأن رائد ياسين يقدم تعويذة الخلود في هذا التكرار.

أما روي سماحة وعمر فاخوري فيقدمان شريط «تجسّد طائر من لوحة زيتية». انطلق الفنانان من قصة متداولة من روايات الدكتور داهش عن طائر ترك لوحة للفنانة ماري حداد (1889 ـــ 1973)، ليعيش في قفص لسنوات. في الفيديو، نتابع انتقال الطائر من اللوحة إلى قفص موضوع على طاولة يتناول الحاضرون الطعام حولها. في آخر الشريط، تدخل امرأة الغرفة، تمشي على الطاولة، تتناول القفص، ثم تتوجه إلى زاوية الغرفة. ينظر الجميع إليها، فيما يحاولون لمسها، ثم يتبعونها ويصطفون حولها مشكّلين لوحة يتوسطها العصفور في القفص. لا شك في أنّ تلك القصّة البسيطة تحمل جماليّة عالية، لكن ما يميّز الثنائي هو قدرتهما على تحويل الفيديو إلى لوحة متحركة. كل لقطة جسّدت لوحة زيتية معاصرة قائمة بذاتها. اختار الفنانان استبدال لعبة الضوء في اللوحات الزيتية بتقنية التركيز (Focus) في الصورة، مستخدمين نقطة تركيز واحدة مكثّفة في كل صورة، لتصبح كل التفاصيل المحيطة بها خارج حقل التركيز. هكذا تتحول تلك التفاصيل إلى عناصر دقيقة ونافرة، كما هي حال العناصر الأساسية في اللوحات الزيتية. ما خلق جمالية هذا العمل هو حركة الكاميرا البطيئة، والخلفية البيضاء للغرفة، وانعدام الكلام في ظل حركة دائمة لشخصيّات الفيديو.

تلك الخاصيّة نجدها ولو بشكل مختلف في التجهيز الفني «الأم والأب والفنان والحبيب» لناتالي حرب. هنا، استندت حرب إلى لوحات هيلين الخال (1933 ــ 2009) التي تتحول فيها الأجساد إلى طبيعة ومساحة وجسد آخر. داخل غرفة صغيرة، أسقطت حرب ثلاثة فيديوهات على ثلاثة كانفاس بحجم الحائط. يظهر الفيديو الأوّل رجلاً، والثاني امرأة، فيما يظهر الثالث إنساناً. ومن خلال عملية توليف، تخرج النيران من رقبة الرجل، وتحلق طائرة على بطن المرأة. أما على ظهر الجسد، فتظهر مشاهد طبيعية وطرقات. عبر نوع الإضاءة المعتمد في التصوير، وحركة الأجساد الشديدة البطء، والظلام المحيط بالشخصيات، تتراءى هذه الأخيرة كأنها بورتريهات مرسومة على الكانفاس. وقبالة الباب الذي يدخل منه المتفرّج، تركت حرب منصّة غاب عنها الفيديو بروجيكتور، لتجعل من جسد هذا المتفرّج الشخصية الرابعة المفقودة. هكذا تتلاشى الحدود بين الرسم والفيديو، ليصبح الثابت الوحيد في تجهيز حرب هو تفاعل المشاهد مع اللوحة.

في قطعته «المقدّس والمدنّس»، استعاد مازن كرباج منحوتة «وجه مريم العذراء» لإسبرانس غريّب (1923 ــ 2008) لم تعرض قطّ. وأعاد تصنيع 7 نسخ منها، ووضّبها في علب صمّمت بشكل تجاري من حيث طريقة تقديم المعلومات المكتوبة عليها. بذلك، يقارب كرباج تحوّل الأعمال الفنية إلى سلع تجارية. من خلال تكرار هذا التصنيع، يعيدنا إلى التماثيل الدينية المصنّعة بكميات هائلة كأي سلعة أخرى، التي تستعيد قيمتها الدينية والمعنوية في بيوت المؤمنين. مسار لا يبتعد عن طريقة التعامل مع اللوحات ضمن السوق الفنية المعاصرة اليوم. وليست مصادفة أن تكون المنحوتة «قضيبية» (Phallique) وموضّبة بالطريقة التي توضّب فيها الألعاب الجنسية (sex toys). هكذا، يمرّ كرباج على الفن والسلعة والدين والجنس، ليخرج عمله بصيغة تجمع المقدّس والمدنّس. ما يميّز هذه الأعمال الأربعة هو أنها لا تتطلب من المشاهد إلماماً معمّقاً بالأعمال التي استندت إليها، ولا تبني قيمة وجودها على علاقتها بالماضي فقط، بل انطلقت من محطة محددة في الماضي لتقدم عملاً فنياً متكاملاً.