«صفير زملر»: الفن المعاصر على بساط البحث

احتفالاً بعيدها الثلاثين في هامبورغ، والعاشر في بيروت، أقامت الغاليري معرضاً ضمّ أعمالاً لمروحة من الفنانين اللبنانيين والعالميين أبرزهم إيتل عدنان. وفي هذه المناسبة، أقامت سمبوزيوم جمع مقتني التحف والمنسّقين المعروفين لمساءلة منظومة الفن المعاصر. 
تحتفل «غاليري صفير زملر» هذا العام بـ 30 عاماً على تأسيس الصالة في هامبورغ (ألمانيا)، وعشر سنوات على صالتها في بيروت (منطقة الكرنتينا). لهذه المناسبة، افتُتح معرض Gallery 3010 في بيروت يضمّ أعمالاً لفنانين لبنانيين وعالميين حول مفهوم «الغاليري» في عالم الفن. تخاطب الأعمال المعروضة المكعب الأبيض، ووسائل وآليات العرض، كما الإدارة والتعامل مع الأعمال الفنيّة. يشارك في المعرض 25 فناناً منهم: إيتل عدنان، هايغ ايفازيان، منيرة الصلح، إيتو برادة، آنا بوغوسيان، إيمان عيسى، ربيع مروة، وليد رعد، خليل رباح، مروان رشماوي، وائل شوقي، ريّان تابت وأكرم زعتري، بالإضافة إلى فنانين أجانب وعالميين.
وفي اليوم الذي سبق افتتاح المعرض، نظمّت الصالة سمبوزيوم حول استكشاف الفن العربي المعاصر (1995 ــــ 2015). نسّق السمبوزيوم كلّ من المعدّ الفني الجزائري عمر برادة، ومديرة الغاليري أندريه صفير. هكذا، احتضنت بيروت في نهار طويل سمبوزيوم ضمّ عدداً من أهم الفاعلين في الحياة الثقافية المعاصرة من فنانين ومنسّقين ومدراء مؤسسات ثقافيّة من بيروت، دمشق، القاهرة، جدّة، الجزائر... وصولاً إلى حضور أجنبي من مقتني التحف العالميين والمنسّقين الفنيين منهم مدير «تايت مودرن» كريس ديركون، ومنسقة «دوكيومنتا 13» كارولاين كريستوف باكاريا، ونظيرتها في «بينالي الشارقة» المقام حالياً أونجي جو... تناول السمبوزيوم مواضيع مهمّة جداً، رغم أنه لم يكن هناك مجال واسع للنقاش مع الجمهور بسبب ضيق الوقت.
بعد كلمة الافتتاح التي ألقتها أندريه صفير عن مشاورها الفني من الرسم إلى التنسيق الفنيّ وتأسيس الغاليري في هامبورغ ثم بيروت، عُرض فيديو مقابلة أجراها هانس أوليرخ أبرويست (سربينتاين غاليري) مع إيتل عدنان في بيتها في باريس. شكّلت المقابلة خير افتتاح للسمبوزيوم مع فنانة بارزة عايشت تطور الساحة الفنيّة المعاصرة بين لبنان والولايات المتحدة وفرنسا، متحدثّة عن مسيرة مليئة بالشغف وبالأمل في دور الفنّ في مجتمعاتنا.
عبر رسالة قرأها عمر برادة بسبب تعذّر حصول لارا الخالدي (قيمة فنية فلسطينية) على تأشيرة لدخول لبنان، تناولت الخالدي سياق نشأة المتاحف في فلسطين خلال السنوات الأخيرة، متسائلة عما إذا يمكننا أن نرى في نشأة تلك المتاحف اليوم نيّة لإعادة توكيد كيان الدولة الفلسطينية.
وتم التعريف بـ «المتحف الفلسطيني» المرتقب افتتاحه في بيرزيت عام 2016 على أنّه «متحف حديث وعصري يهدف إلى رواية القصة الفلسطينيّة للعالم من وجه نظر فلسطينية، وسيختص في البحث والتعريف عن تاريخ فلسطين الحديث والمعاصر». تلك العلاقة بين المتاحف كمؤسسات تعنى بالتوثيق والذاكرة والرواية وواقع فلسطين اليوم، تدفعنا إلى البحث في الدور الذي يمكن لتلك المتاحف لعبه: هل تستعيد تلك المتاحف ما خسرته فلسطين في السياسة؟
من جهتها، تناولت كريستين شايلد (متخصّصة في الانتروبولوجيا وتاريخ الفنّ) نشأة المعارض في بيروت منها أول المعارض التشكيلية التي احتضنها المبنى الذي يتمّ تجهيزه حالياً ليصبح «المكتبة الوطنيّة» (الصنايع) وصولاً إلى التسعينيات ونمو صالات العرض في بيروت في موازاة الفعاليات الثقافيّة التي كانت قائمة ضمن الحيز العام مثل مشاريع «الصنايع» (1994)، و«سيوفي» (1997)، و«الكورنيش» (1999) التي أعدّتها جمعيّة «أشكال ألوان»، مسائلة القيمين على المؤسسات الثقافية اللبنانية اليوم عن سبب تراجع العمل ضمن الحيز العام والتوجه إلى داخل صالات العرض والمكعبات البيضاء والمباني الداخلية.
من جهة أخرى، جاءت مداخلة المقتني البرازيلي لويس تيكسيرا دي فريتاس مميزة جداً. أعرب دي فريتاس عن قلقه مما يحدث اليوم في السوق الفنية. وأشار إلى أنّ الإحصاءات العالمية خلال السنوات العشر الأخيرة تفيد بأن نموّ التبادل التجاري ضمن السوق الفنيّة يشبه بدينامكيته وأرقامه وغياب القوانين المنظمة له ذلك الحاصل في تجارة الأسلحة والمخدرات والإتجار بالبشر. غير أن الفارق الوحيد يبقى أن السوق الفنيّة تتحلى بالصفة القانونية التي تغيب عن التجارات الأخرى. واستفاض في تقديم أمثلة عن العلاقات المعقّدة والشائكة التي تربط مقتني التحف بأصحاب الغاليريهات والمتاحف والمستشارين الفنيين، مؤكّداً الحاجة الضروريّة اليوم لسنّ قوانين عالمية تنظّم تلك العلاقة.

تلك عيّنة من الطروحات التي حملها السمبوزيوم. كان ملفتاً أن تختار أندريه صفير الاحتفال بعيد الغاليري عبر إعادة مساءلة دور الصالات الفنية وأثرها على تطور ساحة الفنّ المعاصر في بيروت والعالم أكان عبر السمبوزيوم أم المعرض اللذين لم يخلوا من نقد ذاتي ومراجعة للواقع الحاضر على ضوء التجربة الماضية. صالة «صفير زملر» من المراكز التي لعبت دوراً أساسياً في نمو الساحة الفنية المعاصرة في بيروت، وإيصالها إلى العالم، وأصبحت عبر مقرّها في منطقة الكرنتينا محطة أساسية لروّاد ومتابعي الفن المعاصر عبر تقديم عدد كبير من المعارض لأهم الفنانين اللبنانيين والعرب والعالميين.

هكذا وظّفت الغاليري شبكة علاقاتها لتدعو إلى بيروت نخبة من أهّم الفاعلين على الساحة الفنية العالمية، أو على الأقل المهتمين بالمنطقة العربية، وفتحت عبر السمبوزوم والمعرض الحالي باب نقاش جدي حول قضايا عدّة تعني كلّ مهتمّ بالفن المعاصر. نقاش انطلق هنا لكن لا بدّ من مواصلته. خير احتفال صنعته أندريه صفير عبر المساءلة المستمرّة والنقدية لمنظومة الفنّ المعاصر.

* Gallery 3010: حتى 1 آب (أغسطس) ــ «غاليري صفير زملر»، الكرنتينا (بيروت) ـ للاستعلام: 01/566550

ألفريد طرزي: تاريخ بصري لذاكرة الحرب


في معرضه الفردي الأول «أرض شاغرة» الذي تحتضنه صالة «جانين ربيز»، يقارب الفنان الشاب الحرب الأهلية التي زعموا انتهاءها عام 1990. يقترح إقامة «نصب مؤقت»، معيداً للضحايا وجوههم وأغراضهم وهويتهم.

رغم تذّمر بعضهم من انشغال العديد من الفنانين اللبنانيين بالحرب الأهلية، إلّا أنها ما زالت تؤرّق ألفريد طرزي (1980)، مكرّساً لها معرضه «أرض شاغرة» في «غاليري جانين ربيز». يميل كثيرون في لبنان إلى طيّ صفحة الحرب. طيّ أعمى يتعمّد التهرّب من مواجهة التاريخ متسلحّاً بقانون «العفو العام» المخجل الذي يحمي المجرمين من المحاسبة من دون أن يمنح على الأقل أهالي المخطوفين والأسرى طمأنينة معرفة مصير ذويهم. لكنّ جيلاً من الشباب اللبناني ينتمي إليه طرزي، يصرّ على عدم طيّ الصفحة، بل يحاول مقاربتها فنيّاً، بما أنّ مقاربتها في المحاكم أمر غير مباح.

وسط الصالة، يقدّم طرزي اقتراح «نصب مؤقت» للحرب الأهلية اللبنانية. التجهيز مؤلف من قواعد من الباطون. من كلّ قاعدة، يخرج عامود حديدي من الفولاذ الصلب. العواميد مصفوفة جنباً إلى جنب على أرض مفروشة بالبحص الأبيض. كل تلك المواد جمعها الفنان من مخلفات مواد البناء. التجهيز المقدّم في الصالة عيّنة عن اقتراح لـ«نصب مؤقت» يقترح طرزي إقامته في وسط بيروت بحيث يدعو أهالي ضحايا الحرب الأهليّة إلى تعليق صور وأغراض شخصيّة ورسائل لأقربائهم الذين فقدوهم خلال الحرب على تلك العواميد. بذلك، يستعيد ضحايا الحرب هوياتهم ويُرفع هذا النصب في ساحة عامة في وسط المدينة المتنكرة لذاكرتها ولفرديّة ضحايا الحرب. المثير للاهتمام أن النصب المقترح يحمل في مواده وتكوينه مفهوم «طور الإعمار». عبر دعوة أهالي ضحايا الحرب للمشاركة في إكمال ذلك النصب، فإنّ طرزي يطلق مشروعاً في «طور إعمار» تاريخ الحرب المهمّش.

في المقابل، يقدّم طرزي لوحة كبيرة وستة أعمال تفاعليّة. في اللوحة، يعيد تقديم مقاربة أخرى للنصب المؤقت حيث يتصدر اللوحة رسم لطفل يحاول عدّ ضحايا الحرب وتحيط به معالم وسط بيروت مثل تمثال الشهداء وتفاصيل من مبنى «ستيتي سنتر». أمّا الأعمال التفاعليّة، فيتألف كلّ منها من صندوق حديدي أو اثنين متوازيين في بعض الأحيان. داخل كلّ صندوق، نرى لفافة من الورق تصل في إحداها إلى 32 متراً، وقد زوّد الفنان تلك الصناديق بآليّة يدويّة تخوّل الجمهور برم اللفافة لمشاهدة الرسوم أو شرائط الصور المولّفة.


                

تتمحور مواضيع تلك الأعمال أيضاً حول تفاصيل الحرب الأهلية. في عملين، يتوازى صندوقان عموديان. اختار طرزي في الأول «شرق وغرب» أن يرسم على ورق كبير مجموعة رسوم مستوحاة من خطوط التماس التي فصلت بيروت خلال الحرب ثم شَطَرها في الوسط إلى قسمين ووضع كلّ قسم منها على لفافة في صندوق. وعبر برم كلّ لفافة على حدة، تنفصل الرسوم عن بعضها لتشكل رسومات جديدة تتألف عناصرها من غرب وشرق مختلفين. في العمل الثاني «يسار ويمين»، أجرى طرزي مداخلته الفنيّة في الصندوق الأول فوق لفافة مؤلفة من بورتريهات نشرتها «حركة أمل» لشهدائها. وفي الصندوق الثاني بورتريهات لشهداء «حزب القوات اللبنانيّة». مواضيع أخرى يتناولها طرزي في تلك الصناديق لذاكرة الحرب، منها «أواني» حيث شهادات حيّة لمقاتلين حربيّن يخبرون عن أساليب تخلّصهم من الجثث بعد المجازر، أصعب المهام بالنسبة إليهم. في ذلك العمل وعبر تقسيم صندوقه، يولّف طرزي شريط صوره الفوتوغرافيّة مع نصوص، ثم يقسم الجزء السفلي للصندوق إلى مستطيلات صغيرة محولاً العمل بأسره إلى شريط سينمائي يدوي يتابع فيه المشاهد تسلسل الصور مع النص، إضافة إلى لقطات مقرّبة لمشاهد أخرى. من أبرز الأعمال في المعرض صندوق «عندما تكون الشمس مرتفعة عند الظهيرة» الذي يتابع فيه المشاهد لفافة بطول 32متراً من رسوم طرزي. رسوم يطغى عليها الأسود والأحمر والذهبي، وتتكرر فيها دراسات لذلك النصب المؤقت بأشكال مختلفة، بالإضافة إلى وجوه يستعيدها من زمن الحرب الأهلية، وذلك الرجل المنتصب والمتكرر في سائر أعماله. عنيفة هي رسومات طرزي كما هي الحرب، لكنّها تختزن جمالية خاصة لا تقع في أسلبة العنف بل تعطيه مفردات وألواناً وخطوطاً واقتراحاً لهوية ملموسة يمكن التفاعل معها ومحاولة قراءتها.


ما يميّز أعمال طرزي أنّها تعيد منح ذاكرة الحرب، المهمشة عن قصد، كياناً ملموساً، فتحوّل الروايات والذكريات المنسيّة إلى شريط رسوم وصور يشارك المشاهد في تداولها، وتمريرها أمام أعينه. كأن الفنان يحولّ ذلك التاريخ المروي إلى تاريخ بصري يختار فيه المشاهد أين يريد أن يوقفه عن الدوران، أنّ يجمّده في الوقت، ليتأمل فيه ويحاول فهمه قبل أن يدفعه من جديد فتتدفق الرسومات والصور والروايات والذكريات. بعبارة أخرى، نجح طرزي عبر صناديقه في تقديم أعمال فنيّة بين اللوحة الجامدة وصور الأفلام المتحركة، مسخّراً عناصر الأسلوبين الفنيّين في خدمة سرد تاريخ الحرب الأهليّة.


                           



«محادثات لا منتهية» حول الهوية والتاريخ

جون أكُمفرا المحادثة اللامُنتهية 2012 تجهيز ثلاث شاشات عرض، فيديو عالي الدقّة، لون، صوت 45 دقيقة
يوجّه «مركز بيروت للفن» تحيةً إلى المفكر والمنظر ستيوارت هول، من خلال أعمال ثلاثة فنانين هم: جون أكمفرا، بني سيوبيس، وزينب سديرة.
يحتفي «مركز بيروت للفن» بستيوارت هول، المفكّر ومنظر النقد والدراسات الثقافيّة والباحث في علم الاجتماع البريطاني الكاريبي الذي رحل العام الماضي. إلى جانب كل من ريتشارد هوغارت ورايموند ويليامز، أسس هول المدرسة الفكريّة التي تعرف اليوم بالدراسات الثقافية البريطانية في برمنغهام. وكانت له مساهمة في حركة اليسار الجديد، كما كان عضواً مؤسساً لمجلة «نيو ليفت ريفيو». يستعير المعرض اسمه من مفهوم الهويّة لدى هول بوصفها «محادثات لا منتهية»، مقدماً أعمال ثلاثة فنانين: جون أكمفرا، بني سيوبيس، وزينب سديرة.
في بداية المعرض، يستقبلك عمل الفنانة الجنوب أفريقية بني سيوبيس (1953) المقسّم على أربعة فيديوهات. عندما يكتب التاريخ، هناك أحداث كبرى تُذكر مقابل تجاهل بعض اللحظات الأخرى رغم أهميّتها. يبقى التاريخ دائماً منقوصاً، وعاجزاً عن سرد الروايّة بتجرد. واقع تعيد طرحه سيوبيس عبر تجربتها الخاصة في ظل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وكتابة التاريخ الرسمي والخاص.
في الفيديو الأول «يومي الجميل» (1997)، تمزج سيوبيس أفلاماً هزليّة بمقاطع موسيقيّة ونصاً بصرياً لتروي قصتين بين أفلام والدتها التي التقطتها بكاميرا 8 ملم وقصتها عن الانتقال والهجرة. أما في الفيلمين «رسول أبيض غامض» (2010) و«السيّد يغرق» (2012) فتعالج حدثين تاريخيين: محاولتا اغتيال هندريك فرنش فيرفورد رئيس وزراء جنوب أفريقيا الأسبق، ومهندس نظام الفصل العنصري، مع فشل الأولى ونجاح الثانية. في الفيديو الأخير «قربان» (2011)، تتناول سيوبيس قصّة تجاهل التاريخ راهبة إيرلندية تدعى أيدن، قتلتها الحشود في شرق كايب أثناء «حملة التحدي» عام 1952. رغمّ أنّ أيدن كانت محبوبة ممن شاركوا في العصيان، إلا أنها قتلت منهم بالخطأ بسبب لون بشرتها البيضاء.
بين الشخصي والأحداث «المهمّة» وتلك المنسيّة، تأخذنا الفنانة في رحلة من غرفة إلى أخرى، ومن شاشة إلى أخرى، معيدةً كتابة تاريخ منقوص، بلحظاته الخاصة وتلك المجيدة والأخرى المعيبة. أما الجزائرية زينب سديرة (1963) فتقدّم ثلاثية فيديو بعنوان «اللغة الأم» (2002). ولدت الفنانة في باريس من عائلة جزائرية، وتنقلت بين الجزائر، وفرنسا، وبريطانيا. على الشاشة الأولى، يجري حوار وتفاهم في فرنسا بين الفنانة باللغة الفرنسيّة ووالدتها باللغة العربيّة. على الشاشة الثانيّة، تحاور الفنانة ابنتها بالفرنسية فيما تجيب ابنتها بالإنكليزية في لندن. وعلى الشاشة الثالثة، وفي الجزائر، يتعطل الحوار بين الجدة بالعربية والحفيدة بالإنكليزية بسبب عجز أيّ منهما عن فهم لغة الآخر ليسيطر الصمت وبعض الابتسامات على الحوار مع محاولة للاستنجاد بالفنانة الواقفة خلف الكاميرا. اللغة التي تشكّل جزءاً أساسياً من الهوية تشغل الفنانة في معظم أعمالها. هنا تختصر استحالة التواصل بين الجدّة والحفيدة تاريخ التبدلات الجغرافية والثقافية التي خاضتها عائلة الفنانة، وتظهر إحدى علاماتها في تبدلّ اللهجات واللغات المعتمدة داخل العائلة الواحدة على ثلاثة أجيال.
يبقى العمل الأبرز للفنان الغاني - الإنكليزي جون أكُمفرا (1975) الموزّع على ثلاث شاشات جنباً إلى جنب تحت عنوان «المحادثة اللامنتهية» (2012). يستمدّ أكمفرا مادة فيلمه (45 د.) من مذكرات ستيوارت وأرشيفه الشخصي المتمحور حول فكر ماركس وغرامشي والنابع من مساءلة مفاهيم العرق والجندر والثقافة والاقتصاد السياسي والهويّة، ليعيد عبره على ثلاث شاشات متوازية قراءة التاريخ الشخصي، بخاصة التاريخ الأسود، ممزوجاً بالتاريخ الحديث لبريطانيا، ومنه إلى التاريخ العالمي. عمل يسائل تشكل الهوية بين تلك التي «تكون» أو «تتكوّن». عمل غني جداً، يطرح فيه أكُمفرا أسئلة مهمّة ومعاصرة حول هوية الحاضر انطلاقاً من تكّونها عبر التاريخ مقدماً مواد متشابكة بين الشاشات الثلاث أكان بصرياً أو سمعياً، مولياً للموسيقى خاصة الجاز مساحة مهمّة، لتمتزج مع النص، في دلالاتها الثقافية والتاريخية. يستعير أكُمفرا أيضاً نصوصاً لوليام بلايك، وتشارلز ديكينز، وفيرجينيا وولف. من التجهيز المعروض اليوم في «مركز بيروت للفن» الذي قدّم للمرة الأولى في متحف الـ «تايت» البريطاني، أنتج أكمفرا أيضاً فيلم «مشروع ستيوارت هول» (2013- 103د).
* «محادثات لا منتهية»: حتى 2 أيار (مايو) ــ «مركز بيروت للفن» (جسر الواطي)ـ للاستعلام: 01/397018

ألكسندر بوليكيفيتش | «بلدي» ونصّ


رقص ألكسندر بوليكيفيتش على خشبة «مترو المدينة» رقصاً بلديّاً، ورافقته فرقة موسيقية وغناء حي و«معلّمة» في عرضه «بلدي يا واد». إنّه الرقص البلدي، لا «الشرقي»، تلك التسمية التي اعتمدها الغرب في وصف رقصنا البلدي نسبة إلى موقعه منه. في «بلدي يا واد»، قدّم بوليكيفيتش عرضاً موزّعاً على لوحات عدة ترافقها موسيقى حيّة تنوّعت بين الموسيقى الشعبية وبعض أغنيات جورج وسوف، وصولاً إلى أم كلثوم.
وليس مصادفة أن يحيط بوليكيفيتش، الرجل نفسه بعازفة الطبلة الرئيسية إليانا عوض، وبفرح قدّور (العود)، وشخصيّة «البتّ كايداهم» المرافقة للراقص، لينه سحّاب، ورنين الشعار (غناء). شقلبة الأنماط الجندريّة على المسرح كان فعلاً مقصوداً، واحتفاءً بالتنوع داخل عالم الرقص البلدي ومكوناته.
ليس بوليكيفيتش جديداً على ساحة الرقص. تابعناه قبلاً في «دوار الشمس» بعروض «محاولة أولى» (٢٠٠٩) و«تجوال» (٢٠١١) و«إلغاء» (٢٠١٣). مالت تلك العروض نحو البحث عن لغة معاصرة في حركة الرقص البلدي، وقدّمت على خشبة مسرح كلاسيكي.

أما اليوم فيعود إلى مسرح الكاباريه ليقدّم البلدي على «أصوله»، موجّهاً تحيّة لكباريهات مصر ولبنان التي احتضنت ذلك الرقص. هكذا، افتتح العرض مع «البت كايداهم» وردّية «البيت دا طاهر». وتوالت لوحات بوليكيفيتش مع رقصة الشمعدان ورقصة مع العصا على أغنية مادونا «الليلة حلوة»... وجميعها بمرافقة موسيقى حية. بالإضافة إلى الموسيقيات النساء، ضمّت الفرقة سماح أبي المنى (الأكورديون)، وناجي العريضي (الطبلة)، وعلي الحوت (الدف والرق)، وجورج الشيخ (الناي)، فيما غاب عن ليلة الافتتاح قسراً المغني أدهم أبي فراج.

وكانت لرنين الشعار إطلالة مميزة، إذ قدّمت بعض الأغاني الشعبية بنفس لم يخلُ من التطريب والتنغيم. ولاكتمال اللوحات الراقصة (الإضاءة علاء ميناوي)، اختار بوليكيفيتش التعاون مع مصمم الأزياء كريكور جابوتيان الذي رافقه في أعماله السابقة. وهنا قدّم أربع بدلات مستوحاة من بدلات الرقص الكلاسيكية، لكن طبعاً بتصوّر خاص بجابوتيان، مضفياً مقاربة معاصرة على بدلات الرقص البلدي.
رقص بوليكيفيتش بشغف وبتقنيّة عالية على المسرح، مقدّماً عرضاً امتد ساعة ونصف ساعة. نجح في أخذ الجمهور معه إلى حالة من البهجة والاستمتاع، فتفاعل معه صياحاً وغناءً، خصوصاً أنّ بوليكيفيتش يفسح دوماً مجالاً لذلك التفاعل العفوي مع الجمهور في الصالة، وهذا هو إحدى المفردات الأساسية للرقص البلدي. هكذا رقص ألكسندر الرجل رقصاً بلديّاً، مقدّماً عرضاً جميلاً بكل تفاصيله. ربما في التجارب المقبلة، نشهد مفردات جديدة في الرقص البلدي من صنع جسد رجل وخصوصيات ذلك الجسد. تحررٌ نحتفي فيه بالتنوّع الخلاق. 

* «بلدي يا واد»: - 29 نيسان (أبريل) و6 أيار (مايو) ــ «مترو المدينة» ـ للاستعلام: 01/753021

فوتوغرافيا | Open /Rhapsody... كيف نقيّم الصورة اليوم؟

شريهان بعدسة فؤاد الخوري
يفرد «مركز بيروت للمعارض» فضاءه للصورة الفوتوغرافية وبعض الفيديوهات تحت عنوان Open /Rhapsody. المعرض من تنظيم اللبناني طارق نحاس جامع التحف الفنية، خصوصاً الصور الفوتوغرافية، بمشاركة جان لوك مونتيروسو، مدير «البيت الأوروبي للصورة الفوتوغرافية» في باريس.
ما يجمع الأعمال المعروضة ليس مدرسة فنية أو ثيمة معينة، بل انتماؤها إلى مجموعات خاصة لبنانية. هكذا دعا نحّاس بعض مقتني الأعمال الفنية للمشاركة في المعرض عبر تقديم الصور التي يملكونها ضمن مجموعتهم الخاصة.
أما «البيت الأوروبي للصورة الفوتوغرافية»، فشارك أيضاً بأعمال من مجموعة المتحف، خصوصاً الفيديو. بذلك، يشّكل Open / Rhapsody عيّنة عن الأعمال اللبنانية والعالمية المتوافرة ضمن المجموعات اللبنانية الخاصة التي قد تجد طريقها يوماً ما إلى الجمهور حين تتوافر متاحف للصورة والفنون المعاصرة في لبنان.
يقدّم المعرض عدداً كبيراً من الأعمال المتنوعة في أسلوبها ومدارسها الفنية، فنجد صوراً بالأبيض والأسود أو بالألوان، وبورتريهات، ومشاهد طبيعية، منها واقعيّة وأخرى مركبة، وبعضها مفاهيمية، وجميعها تحمل توقيع أهم المصورين والفنانين لبنانيين كانوا أم عالميين. وإذا كنّا لن نتوقف عند أهمية الأعمال المعروضة، إلا أنّ Open /Rhapsody يدفعنا إلى طرح أسئلة أساسية حول فن الصورة الفوتوغرافية: هل ما زالت الصورة، تحديداً الكلاسيكية، قادرة على تقديم أي جديد؟ لم يعد يكفي اليوم أن تكون الصورة جميلة في تركيبتها وألوانها وإضاءتها وجميع تلك التفاصيل التقنية الكلاسيكية التي كانت دوماً تؤلف المعايير الفنية الأساسية لتقييم الصورة. أصبحت تلك الصور متكررة وباهتة في ظل تطور الكاميرات، ومع سهولة حصول أيّ هاوٍ على صورة «جميلة». وإن لم تكن كذلك، فإن برامج تعديل الصور تصلح أيّ خطأ. على أحد جدران المعرض قول لجان بودريار: «الصورة الفوتوغرافية تعويذتنا. المجتمعات البدائية كانت لها أقنعتها، والبورجوازية كانت لها مراياها. نحن لدينا صورنا» (١٩٩٨). دور ازداد أهمية مع تدفق الصور منذ عام ٢٠١٠ حتى يومنا، مع اختراع انستغرام. لكن ذلك السياق يحيلنا اليوم على التمييز بين المعايير المحدِّدة لجمال الصورة وقيمتها الفنية ضمن سيل الصور.
لا شكّ في أن معظم صور المعرض جميلة، كذلك معظم الصور على انستغرام، أم تلك الملايين التي تمحيها البشرية كل يوم من هواتفها، فربما لو طبعت ووضعت ضمن إطارات، لأغرقت جدران المتاحف والغاليريهات. لم يعد بإمكاننا اليوم أن نقرأ الصورة فنيّاً مثلما كنا نفعل قبل زمن الانستغرام. فما الذي يمنح الصورة قيمتها الفنية اليوم؟ ليس جمال الصورة في مضمونها، لا بل ما يتخطاها إلى ما يحيط بها: طريقة التقاطها، أو الرواية خلفها، أو مداخلة الفنان عليها... الصورة وحدها لم تعد كافية.
أكرم الزعتري يظهّر على مقاسات كبيرة صوراً من قصاصات جرائد لطائرات إسرائيلية تحلّق فوق صيدا. «كولاج» لوليد رعد عن صور لمبنى تعرض للقصف خلال الحرب. «كولاج» لربيع مروّة يمزج فيه صورة لغلاف ألبوم فرقة «سيغر روس» (الايسلانديّة) مع إذن سينمائي للأمن العام اللبناني. زياد عنتر يلتقط صوراً لبيروت وبرج المرّ عبر أفلام منتهية المدة من أفلام هاشم المدني. غيرهارد ريختر يرسم فوق صورته. علي شريّ يركّب صورة يظهر فيها تمثال حافظ الأسد كأنه صاروخ ينطلق من قلب غبار الصحراء. فؤاد الخوري يلتقط صورة لكورنيش بيروت، لتظهر كأنها لوحة مرسومة بالغواش. تلك هي بعض أعمال الفنانين المشاركين في المعرض. صور ليست بالضرورة «جميلة»، لكنّها تسائل جماليات الصورة، وفعل التصوير بحد ذاته.
مع ذلك، يبقى استثناءان في المعرض يسبقان زمن انستغرام: بورتريه لمارلين مونرو التقطه بيرت شتيرن (١٩٦٢)، وبورتريه لشريهان التقطه فؤاد الخوري (١٩٨٧). إلى جانب أنهما عملان جميلان، ما يميزهما أيضاً أنّ المصوّرين استطاعا التقاط بورتريه لامرأتين كما لم نعرفهما يوماً. أما سائر صور المعرض، فجميلة هي، لكن جميلة فقط. 
Open /Rhapsody: حتى 19 نيسان (أبريل) ــ «مركز بيروت للمعارض» ــ للاستعلام: - 01/962000

«إن وأخواتها» آخر أعماله: ذاك اللقاء في «مسرح مونو»

صمت فوق خشبة المسرح اللبناني: مات ريمون جبارة. ذلك الصمت الذي أحبّه جبارة ومنحه أربع دقائق كاملة في خطوة اعتبرها بعضهم جنونيّة في مسرحيّة «لتمت ديسدمونة» (١٩٧٠). وكما قال لنا في آخر لقاء معه عام ٢٠١٢ في «مسرح مونو» خلال افتتاح عرض «مقتل إنّ وأخواتها» (الأخبار 13/12/2012)، فإنّه تعلّم هذا الصمت من عازف آلة البزق البدوّي مطر محمد. كما فعل أبوه، قام محمد بدفن سرّة ابنه داخل بزقه. وخلال العزف، كان يتوقف أحياناً ويضع أذنه على البزق ليستمع إلى سرّة ابنه.
اليوم نضع أذننا على خشبة المسرح صامتين لنستمع إلى أثر ريمون جبارة فوق تلك الخشبة، إلى جزء أساسيّ من تاريخ المسرح اللبناني، إلى أبي العبث اللبناني. خلال اللقاء الأخير إياه، تحدث جبارة عن فطرته في كتابة مسرحه: «لم أتعلم المسرح، لكن مثلما شعرت، فعلت. أنا بعمل مسرح لأتسلى». لم يكتب يوماً نصاً مسرحيّاً كاملاً، بل كان يلج التمارين مع الممثلين مع ورقة أو اثنتين. أمّا الباقي، فكان يلد على الخشبة. اختار العمل مع ممثلين محددين وثابر على العمل معهم، لأنه أحبّهم، وكان يكتب لهم الأدوار خصيصاً، منهم: جوليا قصّار، غابريـال يمّين، رفعت طربيه، رضا خوري، فيليب عقيقي، كميل سلامة، رندا الأسمر، ومادونا غازي...
الجميع حوله كان يعمل معه بحبّ وثقة عمياء. أحد أهم مؤسسي المسرح الحديث في لبنان، لم يعنه يوماً الهدف أو الرسالة في المسرح، بل صنع مسرحاً عن الإنسان، وهمومه وأوجاعه وأفراحه. صنع مسرحاً يخاطب جميع فئات الجمهور من النخب إلى العريض. اختار لغة بسيطة وساخرة يختزن فيها أسئلة عميقة عن الإنسانيّة، ما جعل مسرحياته حيّة ومعاصرة حتى اليوم. رغم معاناته من عوارض صحيّة في أواخر سنوات حياته، إلا أنه سخر من مرضه وتابع العمل، كتابة وإخراجاً. في أحد مقاهي قرنة شهوان، حوّل طاولة إلى مكتب يتابع فيه كتابة المسرح. وإن كانت بعض الكلمات تبدأ على الورق وتنتهي على الطاولة، بسبب الشلل النصفي الذي أصابه، إلا أن الممثل وصديقه العزيز غابريـال يمّين كان يعاونه على إعادة نسخ النصوص. في «مقتل إنّ وأخواتها»، ورغم حالته الجسديّة السيئة، أبى أن يغيب عن ليلة الافتتاح. أراد أن يرى الممثلين على الخشبة، هو الذي يعشق التمثيل ولطالما قال إنّ الممثل فيه يبقى أقوى من الكاتب والمخرج. يومها قال لنا: «أريد أن أتابع العرض كي أضحك على أخطاء الممثلين». ذلك الرجل عرف كيف يضحك، ويعشق المسرح، ويتسلى في خلق مسرحه. نصمت اليوم لفقدانك، ونسخر من الموت الذي ـ وإن خطفك منّا ـ لن يستطيع أن يسلبنا الإرث المسرحي الذي تركته لنا. يا «صانع الأحلام» وداعاً.

«آرت دبي» دورة التوسع و... اللبنانيين!

أيمن بعلبكي
اختتمت أخيراً فعاليات النسخة التاسعة من «آرت دبي» لهذا العام، مسجّلة حضور أكثر من ٢٥،٠٠٠ زائر، ومستحضرة أعمال حوالي ٥٠٠ فنان على مدى أربعة أيام. في قسم «ماركر» لهذا العالم، احتفت «آرت دبيّ» بـ ٤٠ فناناً من أميركا اللاتينيّة. واستضاف برنامج «منتدى الفن العالمي» الذي أشرف عليه كلّ من سلطان سعود القاسمي، وتوري مونث، وشومون باساري، أكثر من ٥٠ متحدثاً من مختلف المجالات التكنولوجية والفنية.
كما شارك عدد من الفنانين في «مشاريع آرت دبي» الذي أعدّته لهذه الدورة، المعدّة والفنانة الفلسطينيّة لارا خالدي. غير أنّ ما ميّز «آرت دبيّ»، كان توسّع «آرت دبي مودرن» الذي انطلق العام الماضي، لتشهد نسخته التاسعة إقبالاً واهتماماً أوسع من قبل زوار المعرض للتعرف على أعمال ١٩ فناناً من حقبة المودرن من الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب أسيا.
إيتو برادة
وكما في كلّ عام، تتوجه الأنظار في «آرت دبيّ» إلى «جائزة أبراج الفنيّة»، لإكتشاف صاحب الجائزة وعمله. وتبعاً لقرار «مجموعة أبراج» العام الماضي ــ بعدما كانت اللجنة تختار خمسة فنانين ــ تمّ حصر الجائزة هذا العام بفائز أوحد ينال دعماً إنتاجيّاً لتقديم عمل جديد، وثلاثة فنانين آخرين لتقديم أعمال سابقة لهم بالتعاون مع المعدّ الفنيّ الذي تختاره اللجنة المحكمة للجائزة أيضاً. هكذا منحت اللجنة «جائزة أبراج هذا العام، لإيتو برادة (١٩٧١). قدمت الفنانة المغربية فيلماً قصيراً يحمل عنوان Faux Depart (٢٣ د.)، تتبعت فيه رحلة بحث عن الأحافير في الجنوب المغربي، حيث يقوم تجار الأحافير بتصنيع الجزء الأكبر منها وبيعها على أنّها مكتشفات تاريخيّة. اختارت برادة تصوير الفيلم، بجزء كبير منه، بكاميرا ١٦ مم التي لطلما فضّلتها عن الكاميرات الرقميّة، غير أنها مزجت بعض المشاهد الرقميّة هنا مع الفيلم. وإن اصطدمت في بادئ الأمر بنكران أصحاب المتاجر بيع أحافير مزيّفة، إلّا أنهم قادوها رويداً إلى تقنيات التزييف وعمليات تصنيع الأحافير التي وثّقتها عبر كاميرتها. ويبقى المشهد الأقوى في الفيلم لحظة يقوم أحد التجار برمي معداته واحدة تلو الأخرى على الرمال في الصحراء الجنوبيّة معرّفاً بكلّ أداة ودورها في صناعة الأحافير، ومن ثم يسحبها ليضع أداة أخرى تاركاً أثرها على الرمال، فتتشكل رويداً فوق تلك الرمال الصحراويّة وعلى الشاشة أحافير جديدة لتلك الأدوات المصنعة للأحافير المزيفة. إلى جانب الفيديو، قدّمت برادة أيضاً تجهيز «حجار كاذبة» الذي تعرض فيه ضمن علبة زجاجيّة أحافير ونسخاً عنها، من دون تحديد أيهما الحقيقيّة أمّ المزيفة. تسائل برادة عبر عمليها، الأغراض الزائفة من تلك الحقيقية ضمن عالم فني يشهد حالة من الفتيشيّة نحو الأغراض الفنيّة. كذلك اختارت اللجنة المعدّ الفنيّ عمر خليف، للعمل مع برادة، ومع الفنانين الثلاثة الآخرين الذين قدموا أعمالاً سابقة لهم، مثل فيديو The Mute tongue (منيرة الصلح)، وصور فوتوغرافيّة Spectral Days (ستاره شهبازي)، ورسومات Temporary Autonomos Zones (سارناث بنارجي).
أكرم زعتري
أما في قسم المعاصر، القسم الأكبر لـ «آرت دبيّ»، فكان للفنانين اللبنانيين كما كل عام، حضور أساسي. قدّمت غاليري «صفير زملر» أعمالاً لكلّ من أكرم زعتري، ومنيرة الصلح، ووليد رعد، وإيتيل عدنان، وريّان تابت. «إعادة إعمار الطريق السريع العربيّ» (٢٠٠٧) صورة إلتقطها أكرم زعتري خلال عمليّة إعادة إعمار «جسر المديرج» الذي يصل بيروت بدمشق، وقد قصفته إسرائيل عام 2006 خلال العدوان على لبنان، حيث يظهر التناقض بين ما نراه في الصورة من دخان وتدمير وعنوان العمل، مسائلاً قدرتنا على إعادة إعمار طريق عربي سريع. أما لوحة منيرة الصلح فهي واحدة من سلسلة الرسومات التي نفذّتها لسياسيين عرب، وقدّمتها في معرضها الأخير في بيروت «عسيرة هي اللغة الأمّ» (٢٠١٤). ولريّان تابت شاهدنا عملاً من معرضه «أقصر مسافة ما بين نقطتين» (٢٠١٣) حول «شركة التابلين». مع غاليري «سلمى فرياني» (لندن)، قدّم زياد عنتر صوراً فوتوغرافيّة من سلسلة «بيروت مكثّفة» (٢٠١٤)، المشروع الذي التقط فيه صوراً من البحر للخط الساحليّ الذي يربط مدينة صيدا ببيروت. كذلك مع غاليري «أثر» (الرياض)، قدّم عنتر منحوتة عن منحوتة لعارف الريّس، وصورة فوتوغرافيّة لكنيسة في جدّة. في عام ٢٠١٢ وجد عنتر على كورنيش جدّة عدداً من المنحوتات لعارف الريّس مغلفة بقماش ضمن عمليّة إعادة ترميم الكورنيش ومنحوتاته. إنطلاقاً من شكل المنحوتات الحاليّة، قام عنتر بإنتاج منحوتاته الخاصة حيث يتحول القماش المغلف للمنحوتة الأصليّة إلى جزء أساسيّ منها، مسائلاً «الأصل» و«الحقيقة». حضرت الصورة الفوتوغرافيّة أيضاً ضمن أعمال تانيا طرابلسي مع غاليري «آرت فاكتوم» (بيروت) ضمن سلسلة Lost Strange Things: On not finding home. طرابلسي المقيمة بين لبنان والنمسا، تبحث في عملها عن موطنها دون أن تجده. كما قدّمت «غاليري فاكتوم» لوحات للميا جريج من سلسلة «تطريس بيروت ــ متحف». في المقابل، حضر الثنائي جوانا حاجي توما وخليل جريج مع غاليري CRG (تشيلسي) وغاليري «إن سيتو فابيان لوكليرك» (باريس) عبر صور فوتوغرافيّة من سلسلة مشروع «نادي اللبناني للصواريخ»، بالإضافة إلى منحوتة «هندسة الفضاء» (٢٠١٠) المصنوعة من قضبان فولاذيّة. عبرها يعيدان تأليف خريطة ترسم العلاقة بين بلدان الشمال الكولونياليّة وبلدان الجنوب مستندة على مسار الرسائل الإلكترونيّة الإحتياليّة (Scam). وضمن جناح غاليري «إيمان فارس» (باريس)، قدّم علي شرّي صورة فوتوغرافيّة «حياة بريّة» (٢٠١٤) التي تندرج ضمن بحثه الأخير عن الصلة بين الكوارث الطبيعيّة والسياسيّة في المنطقة. 
زياد عنتر
أمّا غاليري «كالفايان» (أثينا) فقدّمت أعمالاً لكلّ من رائد ياسين، وفارتان أفاكيان. خلال مشروعه الأخير Collapsing Clouds of Gas and Dust (٢٠١٤) يجمع أفاكيان مواد عضويّة، بقايا غبار من معالم هندسيّة، ويحوّلها عبر عمليّة كيميائية إلى مادة كريستاليّة يختزن فيها هالة تلك المعالم. من ضمن ذلك المشروع، يقدّم أفاكيان مجموعة كريستال أنتجها من مواد استخرجها من بحيرة «برج خليفة». ويعرض رائد ياسين لوحات من مجموعته Dancing Smoking Kissing (٢٠١٣)، كذلك Yassin Dynasty (٢٠١٣) وهو عمل منبثق من مشروعه «الصين» (٢٠١٢) الذي أنتجه لجائزة «أبراج كابيتال الفنيّة». أوان من البورسلين مصنّعة في مدينة Jingdezhen، عاصمة صناعة البورسلين الصيني. ولكن بدل إتباع التقليد الصيني برسم مشاهد من التاريخ الصيني على تلك الأواني، طلب ياسين من الحرفيين الصينيين رسم مشاهد من الحرب الأهليّة اللبنانيّة، «تخليداً» لذلك التاريخ. عند «غاليري تانيت»، حضر فؤاد الخوري عبر تجهيز فنيّ لفيديو وصور فوتوغرافيّة. المشاركة الأولى لغاليري «جيبسوم» (القاهرة) كانت مميزة حيث قدمّت أعمال لعدّة فنانين منهم الفنانة اللبنانيّة الكويتيّة تمارا السمرائي من معرضها الأخير Make Room For Me. وختاماً مع غاليري «أجيال»، حضرت هبة كلش في أعمال من سلسلتها الجديدة The Impermanence of States (٢٠١٤)، والفنان الفلسطيني اللبناني عبد الرحمن كتناني عبر تجهيراته المصنوعة من الأسلاك الشائكة. أما الفنان اللبناني أيمن بعلبكي فحضر عبر لوحاته، مسجلاً رقماً قياسياً جديداً في «مزاد كريستيز» في دبيّ لهذا العام، حيث بيعت رائعته «بابل» (٢٠٠٥ ــ من «مجموعة مقبل الفنيّة») بمبلغ ٤٨٥ ألف دولار أميركي.
رائد ياسين