رائد ياسين مقلّباً ألبوم العائلة


قبلة، عيد ميلاد، حفلة تنكّر، رحلة في الطبيعة... لقطات اختار الفنان اللبناني أن يعيد تطريزها على لوحات أشبه بالصور الفوتوغرافية القديمة. معرضه الجديد Dancing Smoking Kissing في «غاليري رانينغ هورس» عبارة عن فسحة تجمع بين الواقع والذكريات والخيال
صور العائلة المطرّزة على القماش المزركش تحتل المعرض المنفرد الجديد Dancing Smoking Kissing للفنان اللبناني رائد ياسين (1979) في «غاليري رانينغ هورس». هكذا اختار ياسين أن يعيد تجسيد لحظات من تاريخ العائلة ضمن كل عمل: قبلة، عيد ميلاد، حفلة تنكر، رحلة عائلية في الطبيعة... لقطات اختار الفنان أن يعيد تطريزها على لوحات أشبه بالصور الفوتوغرافية القديمة. يمثّل القماش المزركش بالزهور والأنماط، المساحة الخلفية للوحة. فوق القماش، قام الفنان بتطريز المشاهد. طرح بسيط ومباشر ولا حاجة إلى فلسفته، ولّد أعمالاً فنيةً جميلة. عند دخولك المكعب الأبيض لصالة «رانينغ هورس»، تجد اللوحات موزعة على الجدران الثلاثة حولك، كما كانت توزَّع الصور الفوتوغرافية قديماً داخل ألبومات الصور. تتداخل اللوحات مع بعضها بعضاً في مساحة الجدار بطريقة غير متماثلة، لكن متناسقة. حتى إنّ ياسين أعطى أعماله شكل الصور الفوتوغرافية القديمة، المستطيلة والمربعة ذات الزوايا المدورة. لكل لوحة قماشها، وفوقها التطريز المنفذ بواسطة ماكينات مبرمجة على الكومبيوتر.
يستعيد رائد ياسين تلك الصور الفوتوغرافية من ماضٍ تلاشى. لا وجود لتلك الصور الفوتوغرافية حالياً، فمنها ما ضاع خلال تنقل العائلة من بيت إلى آخر، ومنها ما احترق خلال الحرب، ومنها ما لم يكن في الاصل. في تلك المساحة بين الواقع والذكريات والخيال، يجول رائد ياسين لينتج صوراً في الحاضر عن ماضٍ اختفى أثره. بعض اللحظات يتذكرها، أو يتخيلها، أو يستعين بقصص اقاربه عنها ليعيد تركيبها اليوم في أعماله.
تلك الرحلة من الصور الفوتوغرافية إلى التطريز في أعمال فنية، تعيدنا إلى تجربة فنانين تشكيليين حول العالم في الرسم الـ «ما فوق واقعي» Hyper Realistic. فنانون لجأوا إلى تقديم لوحات زيتية تتميز بالدقة التي تحملها عادة الصورة الفوتوغرافية. حتى إنّ أحد أشهر الفنانين من الذين اعتمدوا ذلك الأسلوب، أي الفنان الألماني غيرهارد ريختير، قام أخيراً بإعادة التصوير فوتوغرافياً للوحات كان سبق أن رسمها عن صور فوتوغرافية، ليعيد مساءلة جميع تلك الوسائط. وإن كان الرسم بالألوان الزيتية يتضمن مشقة أكبر بكثير من التقاط صورة فوتوغرافية، فإنّ التطريز كذلك، لكنّ رائد ياسين اختار أن يطرّز صوره عبر آلات مبرمجة على الكومبيوتر، تطريزاً إلكترونياً يحيلنا على الصورة الرقمية.

تتحوّل الحبكات غير المنتهية في كل عمل إلى ما يشبه Pixels الصورة الرقمية، التي تدعوك إلى الاقتراب منها لتكتشف تفاصيلها، كما اختار رائد ياسين أن يقدم في معرضه لوحتين مكررتين ومتطابقتين. خيار يعيدنا إلى مفهوم الصورة الفوتوغرافية التي يمكن سحب نسخ عديدة من النيغاتيف الواحد العائد إليها، لكنّه في الوقت ذاته ينتقد قدسية العمل الفني، الذي لا يمكن تكراره، وخصوصاً أنّ الأعمال المقدمة في المعرض جرى تطريزها بواسطة برمجة على الكومبيوتر، ويمكن تنفيذ نسخ عديدة منها.
جميع تلك القراءات وغيرها جائزة في معرض «رقص وتدخين وتقبيل»، لكن تبقى قوة العمل الجديد لرائد ياسين، أنه يمكن لزائر المعرض أن يتناسى جميع تلك التفاصيل المفاهيمية، وأن يستمتع فقط بجمالية الأعمال المعروضة... فعل أصبح نادراً في عالم الفن المعاصر.


نشر في جريدة الأخبار 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق