بعد الحدث | أسئلة «آرت دبي»


اختتم «معرض آرت دبي» دورته الثامنة هذا العام مسجّلاً نجاحاً جديداً، ومؤكداً على مكانته في السوق الفنية العربية والعالميّة، مستضيفاً عدداً كبيراً من الغاليريهات والفنانين وجامعي التحف والزوار، ومسجلاً مبيعات بملايين الدولارات. قد تكون بعض الغاليريهات سعيدة بقيمة مبيعاتها هذه السنة، وأخرى خرجت بأقل مما كانت تتوقّع، ولكن تلك هي لعبة السوق الفنية. وتبقى الأرقام مهمة للقائمين على المعرض وإستمراريته، كما للغاليريهات التي وصل عددها هذه السنة إلى أكثر من ثمانين صالة بين أقسام الفن المعاصر، والحديث، و«ماركر». خارج تلك الحسابات، يبقى الأهم ما يقدمه معرض «آرت دبي» خارج الإطار التجاري البحت، ويطال جميع زواره لا مقتني الأعمال الفنيّة فقط.
في قسم «الكونتمبريري» حيث عرضت الغاليريهات المشاركة أعمال فنانيها، توافرت الكثير من الأعمال القيّمة كما الرديئة. كما قدم المعرض هذه السنة فرصة قيّمة للتعرف إلى أعمال فنانين من آسيا الوسطى والقوقاز في قسم «ماركر». وخطا خطوة مهمة عبر إستحداث قسم «آرت دبيّ مودرن». قسم يجب تطويره وتوسيعه في الدورات المقبلة. هنا، تمّ تخصيص صالة للفن الحديث من القرن العشرين في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، حيث قُدِّمت أعمال فنانين تركوا أثراً مهماً في تطور المشهد الفنيّ في المنطقة. وكان لافتاً اهتمام زوار المعرض بالقسم المستحدث والتعرف إلى تلك الصلة بين المعاصر وما سبقه من إنتاجات فنية في المنطقة.
في «آرت دبي مودرن» هذه السنة، قدِّمت أعمال 15 فناناً أبرزها المنحوتات الأولى التي شهدها لبنان مع ميشال بصبوص، والمسار الفنيّ للرسام البحريني راشد آل خليفة ولوحات اللبنانية هوغيت كالان التي نجد صدى واسعاً لها في أعمال فنانين معاصرين قدموا أعمالهم هذه السنة في قسم الفن المعاصر، كما أعمال الفنان الباكستاني رشيد أرائين الذي كان طليعياً في حقبة «المودرن»، وتحاكي أعماله بشكل مباشر حقبة الفنّ المعاصر التي نشهدها اليوم.

أيضاً، قدمت «مجموعة أبراج» الفنانين الخمسة الذين حازوا الجائزة الفنية هذا العام. ورغم أن النتيجة في هذه الدورة أتت أضعف من سابقاتها، إلا أنّ الفنان المصري باسم مجدي قدم فيديو قيّماً جداً يحمل عنوان ”The Dent“، كذلك أتت منحوتات الإيراني عباس أخيان مثيرة للإهتمام. لكن المفاجأة هذه السنة كانت بإعلان القائمين على «مجموعة أبراج» أنّ الجائزة في السنة المقبلة ستمنح لفنان واحد فقط، محافظة على قيمتها (مئة ألف دولار أميركي) بهدف زيادة المنافسة على الجائزة. من جهة أخرى، قررت «مجموعة أبراج» تخصيص مزانية أكبر لتقديم منح دراسية للفنانين إلى جامعة Royal College of Arts في لندن. خطوة مهمة خاصة في ضوء غياب المعاهد الفنية في الإمارات.

في المقابل، إستضاف المعرض «منتدى الفنّ العالمي»، وقدمت عروض الأفلام، وبرنامج «الشيخة منال للرسامين الصغار»، والراديو المباشر من قلب المعرض، و«مشاريع آرت دبي» تحت إشراف القيّمة فوز كبرا. أما خارج مدينة جميرا، فخصصت استديوهات مفتوحة لأعمال فنانين إمارتيين أو مقيمين في دبي ضمن مشروع «سكّة» في منطقة الفهيدي. كما إحتشد جمهور «آرت دبي» في ليلة المعارض لتفقد الإفتتاحات الجديدة في الصالات الفنية الموزعة بين شارع القوز/ السركال ومركز دبي المالي العالمي.

تلك هي النشاطات والفعاليات الفنية والثقافية التي توازت مع مبيع وشراء الأعمال في «آرت دبي» هذا العام. من هنا لا يمكن حصر تلك التظاهرة بمجرد أنها سوق فنيّة للبيع والشراء. من الواضح أن القائمين على المعرض على رأسهم مديرته أنتونيا كارفر يعملون بجهد لجعله يلعب أيضاً دوراً ثقافياً يجد فيه الزوار ما يبحثون عنه على إختلاف إهتماماتهم. فكيف يمكن تقييم تلك التظاهرة اليوم بعد ثماني سنوات، وإلامَ ستؤول؟ من المؤكد أنّ «آرت دبي» أصبح من المواعيد الثابتة على روزنامة الغاليريهات العربية، يتخطى مسألة لعب دور المعرض التجاري فقط. على سبيل المثال لا الحصر، فعدد زوار معرض الفائزين بجائزة «أبراج» الفنيّة يفوق قدرة أي صالة عرض تجارية أو غير تجارية على إستقطاب الجمهور لتفقد أعمال فنانينها. لكن السؤال الأهم والمهدد الأكبر لتكريس الفعاليات الثقافية في دبيّ ودول الخليج عامة يبقى: ما الذي يحصل قبل «آرت دبي» وبعده في إمارة لا تخصصات فنيّة في جامعاتها، وبذلك لا تخرج فنانين ولا تحث فنانيها على الإختبار والتطور بل تتكل على العرب والأجانب القادمين من الخارج، أو الفنانين الإمارتيين العصاميين، أو إرسال فنانيها إلى جامعات أجنبية. في المقابل، وفي اليوم ما قبل الأخير للمعرض تمّ الإعلان عن مشروع ضخم يحمل إسم ”مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي“ سيفتتح عام ٢٠١٥ في الظهران السعودية ضمن مبادرة «من البترول إلى الإبداع». نعم، في بلد لا تزال فيه المرأة ممنوعة من قيادة السيارة، سوف يفتتح أضخم مركز ثقافي في العالم العربي. أما في لبنان، فما زال «معرض بيروت للفن» يتخبط بضعفه، وبمكتبة وطنية يجري بناؤها منذ سنوات، ولا ندري متى يأتي اليوم الذي سنتصفح فيه كتبها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق